المادية على رفض دعوة هود عليهالسلام وقالوا فيه وفي دعوته الكثير وقد مر في سورة هود ويأتي في سورة الأحقاف مفصلا ما أجمل هنا ، وقوله بغير الحق أي أن استكبارهم لاحق لهم فيه أولا لضعفهم أمام قوة الله عزوجل ، وثانيا لم يأذن الله تعالى لهم بالاستكبار فهو بغير حق إذا. وقوله : (وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ (١) مِنَّا قُوَّةً) وهذا منهم تحد صريح وعلو وعتو واضحان ، ولذا تحداهم الله تعالى بالقوة فقال عزوجل أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة أي أعموا ولم يروا أن الله الذي خلقهم قطعا هو اشد منهم قوة. إذ كل قوة لهم مصدرها الله هو خالقهم وواهب القوة لهم ، فقوتهم ليست ذاتية ولكنها موهوبة إذ يخلق أحدهم وهو لا يقدر على دفع أدنى شيء عن نفسه وقوله : (وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ) هذا تسجيل عليهم أكبر ذنب وهو جحودهم بآيات الله التي جاء بها رسول الله هود عليهالسلام كما جحدت قريش آيات الله ، وقوله تعالى (فَأَرْسَلْنا) أي بمجرد أن تأكد كفرهم بجحودهم بآيات الله أرسل الله تعالى (عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً) (٢) أي باردة ذات صوت مزعج دامت سبع ليال وثمانية أيام فلم تبق منهم أحدا وهي أيام نحسات (٣) عليهم مشؤمات قال تعالى لنذيقهم أي أرسلناها عليهم لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا. ولعذاب الآخرة أخزى أي أشد خزيا وإهانة لهم وذلة ، وهم لا ينصرون أي لا ناصر لهم من الله عزوجل. هذا بيان حال عاد. وأما ثمود (٤) فقد قال تعالى وأما ثمود قوم صالح فاستحبوا الضلال على الهدى والكفر على الإيمان وقتلوا الناقة وهمّوا بقتل صالح فأخذتهم صاعقة العذاب الهون وذلك صباح السبت فأخذتهم صيحة انخلعت لها قلوبهم فرجفت الأرض من تحتهم فهلكوا عن آخرهم ، وذلك (بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) من الشرك والظلم والكفر والعناد. ونجىّ الله تعالى صالحا ومن معه من المؤمنين الذين آمنوا وكانوا يتقون الشرك والمعاصي وكانوا أربعة آلاف مؤمن ومؤمنة وهو معنى قوله تعالى في ختام الحديث : ونجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون.
__________________
(١) وهذا اغترار بقوة أجسامهم حين تهددهم هود بالعذاب.
(٢) أصلها من صرر من الصر وهو البرد فأبدلوا مكان الراء الوسطى فاء الفعل نحو كبكبوا أصلها كببوا وتجفجف الثوب أصلها تجفف والصرصر هي الشديدة البرودة قال الحطيئة :
المطعمون إذا هبت بصرصرة |
|
الحاملون إذا استودوا على الناس |
ومعنى استودوا إذا سئلوا الدية.
(٣) قرأ نافع بسكون الحاء ويجوز كسرها وبه قرأ حفص على أنه صفة مشبهة من نحس إذا أصابه النحس إصابة سوء أو ضر والنحسات بسكون الحاء جمع نحس.
(٤) شروع في تفصيل حال ثمود بعد عاد والهداية التي كانت لهم هداية إرشاد وتكليف بواسطة رسولهم صالح وما آتاهم الله من معجزة الناقة العظيمة.