كلامهم وتبجحهم بالأقوال دون الأفعال.
(أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ) : أي بخلاء بالخير لا يعطونه ولا يفعلونه بل ولا يقولونه حتى القول.
(أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا) : أي إنهم لم يؤمنوا الإيمان الصحيح فلذا هم جبناء عند اللقاء بخلاء عند العطاء.
معنى الآيات :
ما زال السياق الكريم في عرض أحداث عزوة الأحزاب فقوله تعالى : (وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا (١) اللهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ) أي ولقد عاهد أولئك المنافقون الله من قبل غزوة الأحزاب وذلك يوم فروا من غزوة أحد إذ كانت قبل غزوة الأحزاب بقرابة السّنتين فقالوا والله لئن أشهدنا الله قتالا لنقاتلن ولا نوليّ (٢) الأدبار ، فذكرهم الله بعهدهم الذي قطعوه على أنفسهم ثم نكثوه ، (وَكانَ عَهْدُ اللهِ مَسْؤُلاً) (٣) أي يسأل عنه صاحبه ويؤاخذ به. وقوله تعالى : (قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ) أي قل لهم يا رسولنا إنه لن ينفعكم الفرار أي الهروب من الموت أو القتل لأن الآجال محددة ومن لم يمت بالسيف مات بغيره فلا معنى للفرار من القتال إذا وجب وقوله (وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً) أي وإذا فررتم من القتال فإنكم لا تمتعون بالحياة إلا قليلا من الزمن ثم تموتون عند نهاية أعماركم وهي فترة قليلة ، فالفرار لا يطيل أعماركم والقتال لا ينقصها ، وقوله تعالى (قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ (٤) رَحْمَةً) أي قل لهم يا رسولنا تبكيتا لهم وتأنيبا وتعليما أيضا : من (٥) ذا الذي يعصمكم أي يجيركم ويحفظكم من الله (إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً) أي ما يسوءكم من بلاء وقتل ونحوه (أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً) أي سلامة وخيرا فليس هناك من يحول دون وصول ذلك إليكم لأن الله تعالى يجير ولا يجار عليه وقوله تعالى (وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ
__________________
(١) ذكر بعضهم أن هؤلاء هم بنو حارثة وبنو سلمة إذ هموا بالرجوع يوم أحد ، وقيل هم من فاتتهم وقعة بدر فقالوا لئن أشهدنا الله قتالا لنقاتلن وما في التفسير أرجح لدلالة السياق عليه.
(٢) المراد بعهد الله كل عهد يعاهد عليه العبد ربه فإنه يجب عليه الوفاء به وان تركه سئل عنه وحوسب به يوم القيامة.
(٣) (الْأَدْبارَ) جمع دبر والمراد به الظهر فالادبار الظهور وتولية الادبار كناية عن الفرار.
(٤) في الكلام محذوف تقديره أو بجرمكم أن اراد بكم رحمة وهذا يعرف بدلالة الاقتضاء إيجازا للكلام كقول الراعي :
إذا ما الغانيات برزن يوما |
|
وزججن الحواجب والعيونا |
أي وكحلن العيون.
(٥) الاستفهام للنفي أي لا أحد يعصمهم مما أراد الله تعالى بهم.