شكرا ، وقوله : (رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ وَما يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) أراد به أن ما سأل ربه فيه من كل ما سأل انما هو من باب إظهار العبودية لله والتخشع لعظمته والتذلل لعزته والافتقار الى ما عنده ، وإلا فالله أعلم بحاله وما يصلحه هو وبنيه ، وما هم في حاجة إليه لأنه تعالى يعلم كل شيء ولا يخفى (١) عنه شيء في الأرض ولا في السماء .. وقوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ (٢) إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ) أراد به حمد الله وشكره على ما أنعم به عليه حيث رزقه اسماعيل واسحق على كبر سنه ، والاعلام بأن الله تعالى سميع دعاء من يدعوه وينيب إليه ، وقوله : (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) أيضا من يقيم الصّلاة ، لأن الصلاة هي علة الحياة كلها إذ هي الذكر والشكر فمتى أقام العبد الصلاة فأداها بشروطها وأركانها كان من الذاكرين الشاكرين ، ومتى تركها العبد كان من الناسين الغافلين وكان من الكافرين ، وأخيرا ألحّ على ربه في قبول دعائه وسأل المغفرة له ولوالديه (٣) وللمؤمنين يوم يقوم (٤) الناس للحساب وذلك يوم القيامة.
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ فضل مكة وشرفها وأنها حرم آمن أي ذو أمن.
٢ ـ الخوف من الشرك لخطره وسؤال الله تعالى الحفظ من ذلك.
٣ ـ علاقة الإيمان والتوحيد أولى من علاقة الرحم والنسب.
٤ ـ أهمية إقام الصلاة وأن من لم يرد أن يصلي لا حق له في الغذاء ولذا يعدم إن أصر على ترك الصلاة.
__________________
(١) قال ابن عباس في قوله تعالى : (إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ) أي : من الوجد بإسماعيل وأمّه حيث أسكنا بواد غير ذي زرع ، والوجد : الحزن.
(٢) قيل : ولد له اسماعيل وهو ابن تسع وتسعين سنة وولد له اسحق وهو ابن مائة واثنتي عشرة سنة. قاله ابن عباس رضي الله عنهما.
(٣) استغفر عليهالسلام لوالديه قبل أن يتبيّن له عداوة أبيه آزر لله تعالى فلمّا تبيّن له أنه عدو لله تبرأ منه ، كما تقدم في سورة التوبة ، كما جاء فيها : (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ) فلذا لا يجوز الاستغفار لمن مات مشركا ، كما لا يجوز الصلاة عليه إذا مات إجماعا.
(٤) نسبة القيام إلى الحساب كقولهم : قامت الحرب على ساق : يعنون اشتداد الأمر ، وصعوبة الحال.