(ثُمَّ اهْتَدى) : أي بالاستقامة على الإيمان والتوحيد والعمل الصالح حتى الموت.
معنى الآيات :
إنه بعد الجدال الطويل والخصومة الشديدة التي دامت زمنا غير قصير وأبى فيها فرعون وقومه قبول الحق والإذعان له أوحى تعالى إلى موسى عليهالسلام بما أخبر به في قوله عزوجل : (وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى) وبأي شيء أوحى إليه. بالسرى ببني إسرائيل وهو قوله تعالى (وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي) قوله (فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً) (١) أي اجعل لهم طريقا في وسط البحر ، وذلك حاصل بعد ضربه البحر بالعصي فانفلق البحر فرقتين والطريق وسطه يابسا لا ماء فيه حتى اجتاز بنو اسرائيل البحر ، ولما تابعهم فرعون ودخل البحر بجنود أطبق الله تعالى عليهم البحر فأغرقهم أجمعين ، بعد أن نجى موسى وبني إسرائيل ، وهو معنى قوله تعالى : (فَأَتْبَعَهُمْ (٢) فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِ) أي من ماء البحر (ما غَشِيَهُمْ) (٣) أي الشيء العظيم من مياه البحر. وقوله لموسى (لا تَخافُ (٤) دَرَكاً وَلا تَخْشى) أي لا تخاف أن يدركك فرعون من ورائك ولا تخشى غرفا في البحر.
وقوله تعالى : (وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى) (٥) إخبار منه تعالى أن فرعون أضل أتباعه حيث حرمهم من الإيمان بالحق واتباع طريقه ، ودعاهم إلى الكفر بالحق وتجنب طريقه فاتبعوه على ذلك فضلوا وما اهتدوا ، وكان يزعم أنه ما يهديهم إلا سبيل الرشاد وكذب. وقوله تعالى : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ) أي فرعون ، (وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ) أي مع نبينا موسى لانزال التوراة لهدايتكم وحكمهم بشرائعها ، وأنزلنا عليكم المن والسلوى غذاء لكم في التيه ، (كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) أي قلنا لكم : كلوا من طيبات ما رزقناكم من حلال الطعام والشراب ، (وَلا تَطْغَوْا فِيهِ) بترك
__________________
(١) اليبس : محرّك الياء والباء ، وتسكن الباء أيضا : وصف بمعنى اليابس وأصله مصدر كالقدم ، والعدم بفتح العين وضمها.
(٢) قرىء : (فَأَتْبَعَهُمْ) وبالياء في بجنوده للمصاحبة فهي بمعنى مع أي مع جنوده.
(٣) ما غشيهم في هذا تهويل عظيم لما غشيهم من الماء الذي غمرهم وغطّاهم بحيث يستحيل النجاة معه.
(٤) (دَرَكاً) أي : لحاقا بك وبمن معك من بني اسرائيل.
(٥) (وَما هَدى) : توكيد لقوله : (فأضل قومه) لأن الهدى ضد الضلال فما دام قد أضلهم فإنه ما هداهم كقوله : (أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ) وكقول الشاعر :
إما ترينا حفاة لا نعال لنا |
|
إنا كذلك ما نحفى وننتعل |
وفي الآية : التهكم بفرعون إذ قال لهم : وما أهديكم إلا سبيل الرشاد.