(وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ) : أي وما من شيء إلا يسبح بحمده من سائر المخلوقات.
(حَلِيماً غَفُوراً) : حيث لم يعاجلكم بالعقوبة على معصيتكم إياه وعدم طاعتكم له.
معنى الآيات :
يقول تعالى مقرعا موبخا المشركين الذين يئدون البنات ويكرهو نهنّ ثم هم يجعلون الملائكة إناثا (أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ (١) بِالْبَنِينَ) أي أخصكم بالبنين (وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً) أيها المشركون إذ تجعلون لله ما تكرهون افترء وكذبا على الله تعالى ، وقوله تعالى : (وَلَقَدْ صَرَّفْنا (٢) فِي هذَا الْقُرْآنِ) أي من الحجج والبينات والأمثال والمواعظ الشيء الكثير من أجل أن يذّكروا فيذكروا ويتعظوا فينيبوا إلى ربهم فيوحدونه وينزهونه عن الشريك والولد ، ولكن ما يزيدهم القرآن وما فيه من البينات والهدى إلا نفورا وبعدا عن الحق. وذلك لغلبة التقليد عليهم ، والعناد والمكابرة والمجاحدة. وقوله تعالى : (قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ) أي قل يا نبينا لهؤلاء المشركين المتخذين لله أندادا يزعمون أنها آلهة مع الله قل لهم لو كان مع الله آلهة كما تقولون وإن كان الواقع يكذبكم إذ ليس هناك آلهة مع الله ولكن على فرض أنه لو كان مع الله آلهة (لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً) أي لطلبوا طريقا إلى ذي العرش سبحانه وتعالى يلتمسون فيها رضاه ويطلبون القرب منه والزلفى إليه لجلاله وكماله ، وغناه وحاجتهم وافتقارهم (٣) إليه. ثم نزه سبحانه وتعالى نفسه أن يكون معه آلهة فقال (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً). وقوله : (تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَ) (٤) فأخبر تعالى منزها نفسه مقدّسا ذاته عن الشبيه والشريك والولد والعجز ، فأخبر أنه لعظمته وكماله تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن بكلمة : سبحان الله وبحمده (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) كما أخبر أنه ما من شيء من المخلوقات إلا ويسبح بحمده
__________________
(١) الجملة متفرعة عن جملة : (وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) وهي متضمنة للإنكار على المشركين في تسميتهم الملائكة إناثا ونسبتهم إلى الله تعالى إذ قالوا : الملائكة بنات الله تعالى الله عن ذلك ، كما هي متضمنة توبيخ المشركين على سوء فهمهم وقبيح قولهم بدليل قوله : (إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً).
(٢) من الجائز أن تكون (فِي) مزيدة ، والقرآن : معمول لصرّفنا ، إذ التصريف : صرف الشىء من جهة إلى جهة ، والمراد به هنا : البيان والتكرير والانتقال من حكمة إلى حكمة ومن عبرة إلى موعظة.
(٣) روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : لطلبوا مع الله منازعة وقتالا كما تفعل ملوك الدنيا بعضهم ببعض ، وقال سعيد بن جبير المعنى : إذا لطلبوا طريقا إلى الوصول إليه ليزيلوا ملكه لأنهم شركاؤه ، وما قاله ابن عباس كالذي قاله سعيد جائز لكن ما ذهبنا إليه في التفسير أولى وألصق بمعنى الآيات والسياق.
(٤) من الملائكة والجنّ والإنس.