سيسأل عن عهده الذي لم يف به يوم القيامة ، ومثل العهد سائر العقود من نكاح وبيع وإيجار وما إلى ذلك لقوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود أي العهود ، وقوله : (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ (١) الْمُسْتَقِيمِ) هذا مما أمر الله تعالى وهو إيفاء الكيل والوزن أي توفيتهما وعدم بخسهما ونقصهما شيئا ولو يسيرا ما دام في الإمكان عدم نقصه ، أما ما يعسر التحرز منه فهو من العفو لقوله تعالى : (لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها). وقوله (ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) أي ذلك الوفاء والتوفية في الكيل والوزن خير لبراءة الذمة وطيب النفس به وأحسن تأويلا أي عاقبة إذ يبارك الله تعالى في ذلك المال بأنواع من البركات لا يعلمها إلا هو عزوجل. ومن ذلك أجر الآخرة وهو خير فإن من ترك المعصية وهو قادر عليها أثابه الله تعالى على ذلك بأحسن ثواب. وقوله تعالى : (وَلا تَقْفُ (٢) ما لَيْسَ لَكَ بِهِ (٣) عِلْمٌ) أي لا تتبع بقول ولا عمل ما لا تعلم ، ولا تقل رأيت كذا وأنت لم تر ، ولا سمعت كذا وأنت لم تسمع. وقوله تعالى : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ) أي القلب (كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ (٤) مَسْؤُلاً) أي لا تقف ما ليس لك به علم ، لأن الله تعالى سائل هذه الأعضاء يوم القيامة عما قال صاحبها أو عمل فتشهد عليه بما قال أو عمل مما لا يحل له القول فيه أو العمل. ومعنى أولئك أي تلك المذكورات من السمع والبصر والفؤاد. وقوله تعالى : (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً) أي خيلاء وتكبرا أي مما حرم تعالى وأوصى بعدم فعله المشي في الأرض مرحا أي تكبرا واختيالا ، لأن الكبر حرام وصاحبه لا يدخل الجنة ، وقوله (إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ) أي برجليك أيها المتكبر لأن المتكبر يضرب الأرض برجليه اعتزازا واهتزازا ، ولن تبلغ الجبال طولا مهما تعاليت وتطاولت فإنك كغيرك من الناس لا تخرق الأرض أي تثقبها أو تقطعها برجليك ولا تبلغ علو الجبال فلذا أترك مشية الخيلاء والتكبر ، لأن ذلك معيب ومنقصة ولا يأتيه إلا ذو حماقة وسفه. وقوله تعالى : (كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً) أي كل ذلك المأمور به
__________________
(١) القسطاس بضم القاف قراءة الجمهور وبكسرها قراءة حفص وهو اسم للميزان أي آلة الوزن ، واسم للعدل أيضا وقيل هو معرب من الرومية مركب من قسط أي عدل وطاس وهو كفة الميزان والأصل ضم القاف وكسره العرب لأنه أعجمي وهم يقولون أعجمي العب به ما شئت.
(٢) القفو : الاتباع يقال قفاه يقفوه إذا اتبعه وهو مشتق من القفا وهو وراء العنق.
(٣) بهذه الحكمة وهي ولا تقف ما ليس لك به علم : وضع حد لكثير من المفاسد التي كانت تقع لسبب القول بدون علم منها : الطعن في الأنساب لمجرد ظن. ومنها القذف بالفاحشة. ومنها الكذب ، ومنها شهادة الزور إلى غير ذلك من الأضرار التي تتم بسبب القول بالظن وبدون علم.
(٤) (كُلُّ أُولئِكَ) : المفروض أن يقال : كلها ولكن عدل إلى أولئك لأهمية تلك الحواس ونظير هذا في كلام العرب قول الشاعر :
ذم المنازل بعد منزلة اللوى |
|
والعيش بعد أولئك الأيام |