يتفق هذا مع ما يقولون انهم يكذبون لا غير ، وقوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ) وهي نور وهدى وحجج قواطع ، وبرهان ساطع (لا يَهْدِيهِمُ اللهُ) إلى معرفة الحق وسبيل الرشد لأنهم أعرضوا عن طريق الهداية وصدوا عن سبيل العرفان وقوله (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) أي جزاء كفرهم بآيات الله. وقوله (إِنَّما يَفْتَرِي (١) الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ) أي إنما يختلق الكذب ويكذب فعلا الكافر بآيات الله لأنه لا يرجو ثواب الله ولا يخاف عقابه ، فلذا لا يمنعه شيء عن الكذب ، أما المؤمن فإنه يرجو ثواب الصدق ويخاف عقاب الكذب فلذا هو لا يكذب أبدا ، وبذا تعين أن النبي لم يفتر الكذب وإنما يفترى الكذب أولئك المكذبون بآيات الله وهم حقا الكاذبون. وقوله تعالى : (مَنْ كَفَرَ (٢) بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ) (٣) على التلفظ بالكفر (وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) لا يخامره شك ولا يجد اضطرابا ولا قلقا فقال كلمة الكفر لفظا فقط ، فهذا كعمار بن ياسر كانت قريش تكرهه على كلمة الكفر فأذن له الرسول صلىاللهعليهوسلم في قولها بلسانه ولكن المستحق للوعيد الآتي (مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً) أي رضي بالكفر وطابت نفسه وهذا وأمثاله (فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) أي باءوا بغضب الله وسخطه ولهم في الآخرة عذاب عظيم ، وعلل تعالى لهذا الجزاء العظيم بقوله (ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ) بكفرهم بالله وعدم إيمانهم به لما في ذلك من التحرر من العبادات ، فلا طاعة ولا حلال ولا حرام. وقوله تعالى : (وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) هذا وعيد منه تعالى سبق به علمه وأن القوم الكافرين يحرمهم التوفيق للهداية عقوبة لهم على اختيارهم الكفر وإصرارهم عليه. وقوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) وعلى سمعهم وأبصارهم أولئك الذين توعدهم الله بعدم هدايتهم هم الذين طبع على قلوبهم فهم لا يفهمون (وَسَمْعِهِمْ) فهم لا يسمعون المواعظ ودعاء الدعاة إلى
__________________
(١) هذا جواب وصفهم النبي صلىاللهعليهوسلم بالكذب فأعلم تعالى أنّ الذي يفتري الكذب هو الكافر بآيات الله الكاذب الذي لا يعرف الصدق ابدا.
(٢) قوله : (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ) : عائد إلى قوله : (إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ). وقوله : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ) : نزلت في عمّار بن ياسر في قول أهل التفسير لأنه قارب أن يقول بعض ما طلبوه منه فرفع تعالى عنه الحرج وقال له الرسول صلىاللهعليهوسلم (أعطهم يا عمار) وهو تحت العذاب وقال صلىاللهعليهوسلم : (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) واستثنى أهل العلم من أكره على قتل مؤمن أنه لا يقتله ، وليكن المقتول ولا يقتل فلا يفد نفسه بأخيه حتى مجرّد الضرب لا يضربه.
(٣) أهل العلم على أنّ المكره على الطلاق وعلى الحلف وعلى الحنث أنه لا شيء فيه.