(مِنْ دَابَّةٍ) أي نسمة تدب على الأرض من إنسان أو حيوان فهذه علة عدم مؤاخذة الذين لا يؤمنون بالآخرة وهم يفسدون ويجرمون وهذا الإهمال تابع لحكم عالية أشار إلى ذلك بقوله : (وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) أي وقت معين محدد قد يكون نهاية عمر كل أحد ، وقد يكون نهاية الحياة كلها فإذا جاء ذلك الأجل لا يستأخرون عنه ساعة ولا يستقدمون عنه أخرى ثم يجزيهم بأعمالهم السيئة بمثلها وما هو عزوجل بظلام للعبيد.
وآخر آية في هذا السياق (٦٢) تضمنت التنديد بسوء حال الذين لا يؤمنون بالآخرة وذلك أنهم لجهلهم بالله وقبح تصورهم لظلمه نفوسهم أنهم يجعلون لله تعالى ما يكرهونه لأنفسهم من البنات والشركاء وسب الرسول وازدرائه ، ومع هذا يتبجحون بالكذب بأن لهم الحسنى أي الجنة يوم القيامة. فرد تعالى على هذا الافتراء والهراء السخيف بقوله : (لا جَرَمَ) أي حقا وصدقا ولا محالة (أَنَّ لَهُمُ النَّارَ) بدل الجنة (وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ) (١) إليها مقدمون متروكون فيها أبدا. هذا ما تضمنته الآية فى قوله تعالى : (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ) (٢) وإن قرىء مفرطون باسم الفاعل فهم حقا مفرطون في الشر والفساد والكفر والضلال والانحطاط الى أبعد حد.
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ بيان الحال الإجتماعية التي كان عليها المشركون وهي كراهيتهم للبنات خوف العار.
٢ ـ بيان جهلهم بالرب تعالى فهم يؤمنون به ويجهلون صفاته حتى نسبوا اليه الولد والشريك.
٣ ـ بيان العلة في ترك الظّلمة يتمادون زمنا في الظلم والشر والفساد.
٤ ـ بيان سوء اعتقاد الذين لا يؤمنون بالآخرة وهو أنهم ينسبون إلى نفوسهم الحسنى ويجعلون لله ما يكرهون من البنات والشركاء وسب الرسل وامتهانهم.
__________________
(١) أفرط يفرط : إذا تقدّم لطلب الماء فهو مفرط وهم مفرطون ، وعليه فقوله تعالى : (مُفْرَطُونَ) معناه يتقدّمون غيرهم إلى النار وهي قراءة ورش عن نافع وقرأ حفص مفرطون باسم المفعول ومعناه متروكون في النار منسيون فيها.
(٢) (مُفْرَطُونَ) : اسم فاعل من فرّط المضاعف إذا ضيّع الحقوق الواجبة عليه.