وغيرهما (وَسُبُلاً) أي وشّق لكم طرقا (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) إلى منازلكم في بلادكم وقوله (وَعَلاماتٍ) أي وجعل لكم علامات للطرق وأمارات كالهضاب والأودية والأشجار وكل ما يستدل به على الطريق والناحية ، وقوله (وَبِالنَّجْمِ) أي وبالنجوم (١) (هُمْ يَهْتَدُونَ) فركاب البحر لا يعرفون وجهة سيرهم في الليل إلا بالنجوم وكذا المسافرون في الصحارى والوهاد لا يعرفون وجهة سفرهم إلا بالنجوم وذلك قبل وجود آلة البوصلة البحرية ولم توجد إلا على ضوء النجم وهدايته وقوله في الآية (١٧) (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) هذا تأنيب عظيم لأولئك الذين يصرون على عبادة الأصنام ويجادلون عليها ويجالدون فهل عبادة من يخلق ويرزق ويدبر حياة الإنسان وهو الله رب العالمين كعبادة من لا يخلق ولا يرزق ولا يدبر؟ فمن يسوي من العقلاء بين الحي المحيي الفعال لما يريد واهب الحياة كلها وبين الأحجار والأوثان؟ فلذا وبخهم بقوله (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) فتذكرون فتعرفون أن عبادة الأصنام باطلة وأن عبادة الله حق فتتوبوا إلى ربكم وتسلموا له قبل أن يأتيكم العذاب. وقوله تعالى : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها) بعد ما عدد في هذه الآيات من النعم الكثيرة أخبر أن الناس لو أرادوا أن يعدوا نعم الله ما استطاعوا عدها فضلا عن شكرها ، ولذا قال (إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) ولو لا أنه كذلك ليؤاخذهم على تقصيرهم فى شكر نعمه عليهم ولسلبها منهم عند كفرها وعدم الاعتراف بالمنعم بها عزوجل وقوله تعالى : (وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ) هذه آخر مظاهر القدرة والعلم والحكمة والنعمة في هذا السياق الكريم فالله وحده يعلم سر الناس وجهرهم فهو يعلم إذا حاجاتهم وما تتطلبه حياتهم ، فإذا عادوه وكفروا به فكيف يأمنون على حياتهم ولما كان الخطاب في سياق دعوة مشركي مكة إلى الإيمان والتوحيد فالاية إخطار لهم بأن الله عليم بمكرهم برسوله وتبييت الشر له وأذاهم له بالنهار. فهي تحمل التهديد والوعيد لكفار مكة.
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ بيان العلة فى الرزق وأنها الشكر فالله سبحانه وتعالى يرزق ليشكر.
__________________
(١) وقد يراد بالنجم : الجدي خاصة لقول الرسول صلىاللهعليهوسلم لابن عباس وقد سأله عن النجم فقال له : (هو الجدي عليه قبلتكم وبه تهتدون في برّكم وبحركم) وكون المراد بالنجم النجوم لقوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ).