الإلهي وتكذيبهم بالقرآن الكريم إذ قالوا : (ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ) ، ومن هنا قال تعالى (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) أي ما عظموه كما ينبغي تعظيمه لما قالوا : (ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ) (١) ، ولقن رسوله الحجة فقال له قل لهم : (مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً) يستضاء به في معرفة الطريق إلى الله تعالى وهدى يهتدى به إلى ذلك وهو التوراة جعلها اليهود قراطيس يبدون بعضها ويخفون بعضها حسب أهوائهم وأطماعهم ، وقوله : (وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ) أي وعلمكم الله بهذا القرآن من الحقائق العلمية كتوحيد الله تعالى وأسمائه وصفاته ، والدار الآخرة وما فيها من نعيم مقيم ، وعذاب أليم ، ثم أمر الرسول أن يجيب عن السؤال الذي وجهه إليهم تبكيتا : (قُلِ اللهُ) أي الذي أنزل التوراة على موسى هو الله. (ثُمَّ ذَرْهُمْ) أي اتركهم (فِي خَوْضِهِمْ) أي في الباطل (يَلْعَبُونَ) (٢) حيث لا يحصلون من ذلك الخوض في الباطل على أي فائدة تعود عليهم فهم كاللاعبين من الأطفال. هذا ما تضمنته الآية الأولى (٩١) أما الآية الثانية (٩٢) فقد تضمنت أولا الرد على قول من قال : (ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ) أي كيف يقال ما أنزل الله على بشر من شيء وهذا القرآن بين أيديهم يتلى عليهم أنزله الله مباركا لا ينتهي خيره ولا يقل نفعه ، مصدقا لما سبقه من الكتب كالتوراة والإنجيل أنزلناه ليؤمنوا به ، (وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى) (٣) أي أهلها (وَمَنْ حَوْلَها) من المدن والقرى القريبة والبعيدة لينذرهم عاقبة الكفر والضلال فإنها الخسران التام والهلاك الكامل ، وثانيا الإخبار بأن الذين يؤمنون بالآخرة أي بالحياة في الدار الآخرة يؤمنون (٤) بهذا القرآن ، وهم على صلاتهم يحافظون وذلك مصداق إيمانهم وثمرته التي يجنيها المؤمنون الصادقون.
__________________
(١) بيان ذلك انهم لما قالوا ما أنزل الله من شيء كانوا قد نسبوا إلى الله تعالى أنه لا يقيم الحجة على عباده ولا يأمرهم بما فيه صلاحهم ولا ينهاهم عما فيه خسرانهم وبهذا ما قدروا الله حق قدره وما آمنوا أنه على كل شيء قدير.
(٢) أي لاعبين لأنها حال من قوله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون إذ لو لم يكن حالا لجزم في وجوب الطلب الذي هو ذرهم.
(٣) أم القرى مكة المكرمة.
(٤) يريد اتباع محمد صلىاللهعليهوسلم.