ولكن ليكون هذا عظة وعبرة للناس. هذا ما دلت عليه الآية الأولى أما الثانية (٨٩) فقد أشاد الله تعالى بأولئك الرسل السابقي الذكر مخبرا أنهم هم الذين آتاهم الكتاب وهي صحف إبراهيم وتوراة موسى وزبور داوود وإنجيل عيسى والحكم (١) وهو الفهم والإصابة والسداد فى الأمور كلها. ثم قال تعالى فإن يكفر بهذه الآيات القرآنية وما تحمله من شرائع وأحكام وهداية الإسلام (فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ) من أهل مكة (فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً) من قبل وهم الرسل المذكورون في هذا السياق وقوما هم موجودون وهم المهاجرون والأنصار من أهل المدينة ، ومن يأتي بعد من سائر البلاد والأقطار وقوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ (٢) اقْتَدِهْ ،) يأمر رسوله صلىاللهعليهوسلم أن يقتدي بأولئك الأنبياء المرسلين (٣) في كمالاتهم كلها حتى يجمع صلىاللهعليهوسلم كل كمال فيهم فيصبح بذلك أكملهم على الإطلاق. وكذلك كان ، وقوله تعالى في ختام الآية الكريمة : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ (٤) أَجْراً) يأمره تعالى أن يقول لأولئك العادلين بربهم الأصنام والأوثان المكذبين بنبوته وكتابه : ما أسألكم على القرآن الذي أمرت أن أقرأه عليكم لهدايتكم أجرا أي مالا مقابل تبليغه إياكم (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرى لِلْعالَمِينَ) أي ما القرآن إلا موعظة للعالمين يتعظون بها إن هم القوا أسماعهم وتجردوا من أهوائهم وأرادوا الهداية ورغبوا فيها.
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ الشرك محبط للعمل كالردة والعياذ بالله تعالى.
٢ ـ فضل الكتاب الكريم والسنة النبوية.
٣ ـ وجوب الاقتداء بالرسول صلىاللهعليهوسلم وأهل العلم والصلاح من هذه الأمة.
٤ ـ حرمة أخذ الأجرة على تبليغ الدعوة الإسلامية.
__________________
(١) قال القرطبي : والحكم العلم والفقه وهو كذلك إلا أن ما في التفسير أوسع وأولى بالاعتماد عليه.
(٢) قال القرطبي : الاقتداء طلب موافقة الغير في فعله. وقال : قد احتج بعض العلماء بهذه الآية على وجوب إتباع شرائع الأنبياء فيما عدم فيه النص واستدلوا بحديث مسلم في حادثة الربيع إذ أمر الرسول بكسر سنها محتجا بآية (وَالسِّنَّ بِالسِّنِ) وهو من أحكام بني اسرائيل ولم يوجد في القرآن غيره.
(٣) روى البخاري عن العوام قال سألت مجاهدا عن سجدة «ص» فقال سألت ابن عباس عن سجدة «ص» فقال أو تقرأ (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ) إلى قوله (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) وكان داوود عليهالسلام ممن أمر نبيكم عليهالسلام بالاقتداء بهم.
(٤) أي جعلا على القرآن.