(بِالْأَمْنِ) (١) : خلاف الخوف.
(وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ) : أي لم يخلطوا إيمانهم بشرك.
معنى الآيات :
لما أقام إبراهيم الدليل على بطلان عبادة غير الله تعالى وتبرأ من الشرك والمشركين حاجه قومه فى ذلك فقال منكرا عليهم ذلك : (أَتُحاجُّونِّي (٢) فِي اللهِ وَقَدْ هَدانِ) أي كيف يصح منكم جدال لي في توحيد الله وعبادته ، وترك عبادة ما سواه من الآلهة المدعاة وهي لم تخلق شيئا ولم تنفع ولم تضر ، ومع هذا فقد هداني إلى معرفته وتوحيده وأصبحت على بينة منه سبحانه وتعالى ، هذا ما دل عليه قوله تعالى : (وَحاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللهِ وَقَدْ هَدانِ). ولا شك أنهم لما تبرأ من آلهتهم خوفوه بها وذكروا له أنها قد تصيبه بمكروه (٣) فرد ذلك عليهم قائلا : (وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ) من آلهة أن تصيبني بأذى ، (إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي (٤) شَيْئاً) فإنه يكون قطعا فقد (وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً) ، ثم وبخهم قائلا (أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ) فتذكروا ما أنتم عليه هو الباطل ، وأن ما أدعوكم إليه هو الحق ، ثم رد القول عليهم قائلا (وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ) وهي أصنام جامدة لا تنفع ولا تضر لعجزها وحقارتها وضعفها ، ولا تخافون أنتم الرب الحق الله الذي لا إله إلا هو المحيي المميت الفعال لما يريد ، وقد أشركتم به أصناما ما أنزل عليكم في عبادتها حجة ولا برهانا تحتجون به على عبادتها معه سبحانه وتعالى. ثم قال لهم استخلاصا للحجة وانتزاعا لها منهم فأي الفريقين أحق بالأمن من الخوف : أنا الموحد للرب ، أم أنتم المشركون به؟ والجواب معروف وهو من يعبد ربا واحدا أحق بالأمن ممن يعبد آلهة شتى جمادات لا تسمع ولا تبصر. وحكم الله تعالى بينهم وفصل فقال : (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ (٥) بِظُلْمٍ) أي ولم يخلطوا إيمانهم بشرك ، (أُولئِكَ لَهُمُ
__________________
(١) روي انهم قالوا له أما تخاف أن تخبلك آلهتنا لسبك إياها؟
(٢) قرأ نافع بتخفيف نون ا تحاجونني وثقلها غيره وتخفيفها مبني على حذف النون الثانية تخفيفا ومن ثقلها فقد ادغمها في نون الرفع.
(٣) أخرج ابن كثير عن ابن مردويه أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : من أعطي فشكر ومنع فصبر. وأذنب فاستغفر وظلم فغفر وسكت فقلنا يا رسول الله ما له؟ قال أولئك لهم الأمن وهم مهتدون.
(٤) قال هذا احتياطا منه للتوحيد إذ من الجائز أن يعثر في حجر أو تشوكه شوكة أو يمرض بسبب وآخر فيقولون هذه آلهتنا قد أصابتك لأنك تسبها فهذا وجه الاستثناء هنا.
(٥) روي في الصحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه انه لما نزلت (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ) الآية شق ذلك على أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقالوا أينا لم يظلم نفسه؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم ليس هو كما تظنون إنما هو كما قال لقمان لابنه : (يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ).