ومهما رأوا أنفسهم أقوياء أن يعجزوا الله تعالى في الأرض فإنه مدركهم مهما حاولوا الهرب (١) ومنزل بهم عذابه متى أراد ذلك لهم ، وليس لهم من دون الله من أولياء أي أنصار يمنعونهم من العذاب متى أنزله بهم ، وقوله تعالى (يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ) إخبار منه بأن هؤلاء الظالمين يضاعف لهم العذاب يوم القايمة لأنهم صدوا غيرهم عن سبيل الله فيعذبون بصدهم أنفسهم عن الإسلام ، وبصد غيرهم عنه ، وهذا هو العدل وقوله تعالى فيهم (ما كانُوا (٢) يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ) إخبار بحالهم في الدنيا انهم كانوا لشدة كراهيتهم للحق ولأهله من الداعين إليه لا يستطيعون سماعه ولا رؤيته ولا رؤية أهله القائمين عليه والداعين إليه.
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
١ ـ عظم ذنب من يكذب على الله تعالى بنسبة الولد أو الشريك إليه أو بالقول عليه بدون علم منه.
٢ ـ عظم جرم من يصد عن الإسلام بلسانه أو بحاله ، أو سلطانه.
٣ ـ عظم ذنب من يريد إخضاع الشريعة الإسلامية لهواه وشهواته بالتأويلات الباطلة والفتاوى غير المسؤولة ممن باعوا آخرتهم بدنياهم.
٤ ـ بيان أن من كره قولا أو شخصا لا يستطيع رؤيته ولا سماعه. (٣)
(أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢١) لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (٢٢) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
__________________
(١) قال ابن عباس رضي الله عنه : لم يعجزوني أن آمر الأرض فتنخسف بهم ، وفي سورة سبأ (أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ).
(٢) (ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ ..) قال القرطبي ما : في موضع نصب على أن يكون المعنى بما كانوا يستطيعون السمع.
يريد أن الباء المحذوفة سببية أي : يضاعف لهم العذاب بسبب أنهم كانوا لا يستطيعون السمع لما ران على قلوبهم من الآثام فحجب الإثم أسماعهم وأبصارهم ، وفي المثل : حبّك الشيء يعمي ويصم ، فحبّهم للكفر والشرك والآثام عطّل حواسهم.
(٣) أقول : ما كنت أدرك المعنى الحقيقي لقوله تعالى : (ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ) حتى كان صوت العرب على عهد بطل الاشتراكية «عبد الناصر» وأخذ يسبّ ويشتم ويعيّر ويقبّح سلوك كل من لم يوال الاشتراكيين فكنت ـ والله ـ لا أستطيع سماع ما يذيعه ، وثمّ فهمت معنى الآية على حقيقته.