(وَلِيجَةً) : أي دخيله وهي الرجل يدخل في القوم وهو ليس منهم ويطلعونه على أسرارهم وبواطن أمورهم.
معنى الآيات :
ما زال السياق في الحديث عن المشركين وما يلزم إزاءهم من إجراءات فإنه بعد أن أعطاهم المدة المذكورة وأمنهم فيها وهي أربعة أشهر ، وقد انسلخت فلم يبق إلا قتالهم وأخذهم وإنهاء عصبة المشركين وآثارها في ديار الله فقال تعالى حاضا المؤمنين مهيجا لهم (أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ) وهذه خطيئة كافية في وجوب قتالهم ، وثانية همهم بإخراج الرسول من بين أظهرهم من مكة وثالثة بدؤهم إياكم بالقتال في بدر ، إذ عيرهم نجت وأبوا إلا أن يقاتلوكم ، إذا فلم لا تقاتلونهم؟ أتتركون قتالهم خشية منهم وخوفا إن كان هذا (فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) ، لأن ما لدى الله تعالى من العذاب ليس لدى المشركين فالله أحق أن يخشى ، هذا ما تضمنته الآية الأولى (١٣) وهي قوله تعالى (أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْراجِ) (١) (الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) وفي الآية الثانية (١٤) يقول تعالى : (قاتِلُوهُمْ) وهو أمر صريح بالقتال ، وبذكر الجزاء المترتب على قتالهم فيقول (يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) وهم خزاعة تشفى صدورهم من الغيظ على بني بكر الذين قاتلوهم وأعانتهم قريش عليهم بعد صلح الحديبية ، (٢) وقوله تعالى : (وَيَتُوبُ اللهُ عَلى مَنْ يَشاءُ) هذه وإن لم تكن جزاء للأمر بالقتال كالأربعة التي قبلها. ولكن سنة الله تعالى أن الناس إذا رأوا انتصار أعدائهم عليهم في كل معركة يميلون إليهم ويقبلون دينهم وما هم عليه من صفات فقتال المؤمنين للكافرين وانتصارهم عليهم يتيح الفرصة لكثير من الكافرين فيسلمون وهو معنى قوله تعالى (وَيَتُوبُ اللهُ عَلى مَنْ يَشاءُ) وقوله (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) تقرير للأمر بالقتال والنتائج الطيبة المترتبة عليه آخرها أن يتوب الله على من يشاء. وقوله تعالى في الآية (١٦) الأخيرة (أَمْ
__________________
(١) إذ كانوا السبب في خروجه من مكة مهاجرا كما أخرجوه من المدينة لقتالهم في بدر ولفتح مكة كما همّوا بإخراجه من المدينة هو وأصحابه في أحد والخندق وغير ذلك.
(٢) إذ قريش أعانت بني بكر على خزاعة التي هي حلفاء رسول الله صلىاللهعليهوسلم وذلك أنّ رجلا من بني بكر أنشد شعرا في هجاء الرسول صلىاللهعليهوسلم فقال له بعض رجال خزاعة لئن أعدته لأكسرنّ فمك فأعاده فكسر فمه ، واندلعت الحرب بينهم فأعانت قريش بني بكر فجاء عمرو بن سالم الخزاعي إلى النبي صلىاللهعليهوسلم يطلب النصرة فخرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم برجاله وكان فتح مكة.