معنى الآيات :
الآية الأولى في هذا السياق هي خاتمة الحديث على اليهود إذ قال تعالى لرسوله (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ) (١) أي اذكر لهم ايها الرسول إذ نتقنا أي رفعنا فوقهم جبل الطور من أصله وصار فوقهم كأنه ظلة (وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ) أي ساقط عليهم وقلنا لهم (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ (٢) بِقُوَّةٍ) والمراد مما آتاهم أحكام التوراة وما تحمل من الشرائع وأخذها العمل بها والالتزام بكل ما أمرت به ونهت عنه وقوله تعالى (وَاذْكُرُوا ما فِيهِ) أي في الذي آتيناكم من الأوامر والنواهي ، ولا تنسوه فإن ذكره من شأنه أن يعدكم للعمل به فتحصل لكم بذلك تقوى الله عزوجل ، هذا ما دلت عليه الآية الأولى وهي خاتمة سياق الحديث عن اليهود. أما الآية الثانية (١٧٢) وهي قوله تعالى (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي (٣) آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) (٤) فإنها حادثة جديرة بالذكر والاهتمام لما فيها من الاعتبار ، إن الله تعالى أخرج من صلب آدم ذريته فأنطقها بقدرته التي لا يعجزها شيء فنطقت وعقلت الخطاب واستشهدها فشهدت ، وخاطبها ففهمت وأمرها فالتزمت وهذا العهد العام الذي أخذ على بني آدم ، وسوف يطالبون به يوم القيامة ، وهو معنى قوله تعالى (وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ : أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قالُوا بَلى شَهِدْنا) أي أنك ربنا (أَنْ تَقُولُوا) يوم القيامة (إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ ، أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ (٥) بَعْدِهِمْ ، أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ) والعبرة من هذا أن الإنسان سرعان ما ينسى ، ويعاهد ولا يفي ، وما وجد من بني اسرائيل من عدم الوفاء هو عائد إلى أصل الإنسان ، وهناك عبرة أعظم وهى أن التوحيد أخذ به العهد على كل آدمي ، ومع الأسف أكثر بني آدم ينكرونه ، ويشركون بربهم وقوله تعالى (وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) وكهذا التفصيل الوارد في هذه السورة وهذا
__________________
(١) أي : كأنّه لارتفاعه سحابة تظلّ.
(٢) أي : بجدّ وعزم.
(٣) الآثار والأحاديث المثبتة لاستخراج الرب تعالى الذريّة من ظهر آدم كثيرة منها في الموطأ والسنن ونكتفي برواية الشيخين الآتية : قال صلىاللهعليهوسلم : يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة : أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنت مفديا؟ فيقول : نعم ، فيقول : قد أردت منك أهون من ذلك ، قد أخذت عليك في ظهر آدم أن لا تشرك بي شيئا فأبيت إلّا أن تشرك).
(٤) وجّه نظم الآية هكذا : وإذ أخذ ربك من ظهور بني آدم ذريّتهم ولم يذكر ظهر آدم عليهالسلام لأنه من المعلوم أن كل بني آدم منه وأخرجوا يوم الميثاق من ظهره. وقوله : ظهورهم : بدل اشتمال من بين آدم.
(٥) في الآية دليل على أنه لا عذر لأحد في تقليده آباءه وأجداده وأهل بلاده في الشرك والمعاصي كما لا عذر بالجهل أيضا.