وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) وأما الآية الثالثة (١٦٩) فقد أخبر تعالى أنه قد خلف من بعد تلك الأمة خلف (١) سوء ورثوا الكتاب الذي هو التوراة ورثوه عن أسلافهم ولم يتلزموا بما أخذ عليهم فيه من عهود على الرغم من قراءتهم له فقد آثروا الدنيا على الآخرة فاستباحوا الربا والرشا وسائر المحرمات ، ويدعون أنهم سيغفر لهم ، وكلما أتاهم مال حرام أخذوه ومنوا أنفسهم بالمغفرة (٢) كذبا على الله تعالى قال تعالى موبخا لهم (أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) وقد قرأوا هذا في الكتاب وفهموه ومع هذا يجترئون على الله ويكذبون عليه بأنه سيغفر لهم ، ثم يواجههم تعالى بالخطاب مذكرا لهم واعظا فيقول (وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ؟) ويفتح الله تعالى باب الرجاء لهم في الآية الرابعة في هذا السياق فيقول (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ) (٣) أي يعملون بحرص وشدة بما فيه من الأحكام والشرائع ولا يفرطون في شيء من ذلك (وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ) ، ومعنى هذا أنهم مصلحون إن تمسكوا بالكتاب وأقاموا الصلاة ، وان الله تعالى سيجزيهم على إصلاحهم لأنفسهم ولغيرهم أعظم الجزاء وأوفره ، لأنه تعالى لا يضيع أجر المصلحين.
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ بيان موجز لتاريخ اليهود في هذه الآيات الأربع.
٢ ـ من أهل الكتاب الصالحون ، ومنهم دون ذلك.
٣ ـ التنديد بإيثار الدنيا على الآخرة ، وبتمني المغفرة مع الإصرار على الإجرام.
٤ ـ تفضيل الآخرة على الدنيا بالنسبة للمتقين.
٥ ـ الحث على التمسك بالكتاب قراءة وتعلما وعملا بإحلال حلاله وتحريم حرامه.
__________________
(١) الخلف بسكون اللّام : الأولاد ، الواحد والجمع فيه سواء والخلف : بفتح اللام البدل ولدا كان أو غيره ، وقيل الخلف بالفتح : الصالح وبالجزم : الطالح قال لبيد :
ذهب الذين يعاش في أكنافهم |
|
وبقيت في خلف كجلد الأجرب |
(٢) روى الدارمي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه الرواية التالية وهي منطبقة على واقعنا اليوم ومن قبل اليوم قال : سيبلى القرآن في صدور أقوام كما يبلى الثوب فيتهافت يقرأونه لا يجدون له شهوة ولا لذة يلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب أعمالهم طمع لا يخالطه خوف ، إن قصّروا قالوا سنبلغ وإن أساءوا قالوا : سيغفر لنا إنّا لا نشرك بالله شيئا.
(٣) مسك وتمسّك بمعنى واحد.