معصية وتحذرهم من مغبة الاعتداء على شرع الله تعالى قالت (لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً) وهذا القول من هذه الطائفة دال على يأسهم من رجوع إخوانهم عن فسقهم وباطلهم ، فأجابتهم الطائفة الواعظة (مَعْذِرَةً (١) إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) أي وعظنا لهم هو معذرة لنا عند الله تعالى من جهة ومن جهة أخرى (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) فيتوبوا ويتركوا هذا الاعتداء ، قال تعالى (فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ) وخوفوا منه وهو تحريم الله تعالى عليهم الصيد يوم السبت ، ومعنى نسوا تركوا ولم يلتفتوا الى وعظ إخوانهم لهم وواصلوا اعتداءهم وفسقهم ، قال تعالى (أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ) وهم الواعظون لهم ممن ملّوا ويئسوا فتركوا وعظهم ، وممن واصلوا نهيهم ووعظهم (وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا (٢) بِعَذابٍ بَئِيسٍ) أي شديد البأس (بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) عن طاعة الله ربهم ، إذ قال تعالى لهم (كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) (٣) فكانوا قردة خاسئين ذليلين صاغرين حقيرين ، ثم لم يلبثوا (مسخا) (٤) إلا ثلاثة أيام وماتوا.
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ تقرير الوحي والنبوة لرسول الله محمد صلىاللهعليهوسلم إذ مثل هذا القصص الذي يذكر لبني إسرائيل لن يتم إلا عن طريق الوحي ، وإلا فكيف علمه وذكر به اليهود أصحابه وأهله ، وقد مضى عليه زمن طويل.
٢ ـ إذا أنعم الله على أمة نعمة ثم اعرضت عن شكرها تعرضت للبلاء أولا ثم العذاب ثانيا.
٣ ـ جدوى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقد نجى الله تعالى الناهين عن المنكر وأهلك الذين باشروه ولم ينتهوا منه دون غيرهم.
__________________
(١) المعذرة : مصدر ميمي فعله اعتذر على غير قياس ، والعذر : السبب الذي تبطل به المؤاخذة بسبب ذنب أو تقصير.
(٢) اختلف في هل الفرقة القائلة : لم تعظون قوما .. الخ نجت من العذاب أو لا؟ وقد روي أن ابن عباس كان يرى أنها لم تنج حتى أقنعه تلميذه عكرمة فقال بنجاتها مع الفرقة الناهية ، لأنّ ترك النهي من الفرقة التي لم تنه كان ليأسهم من استجابة الظالمين.
(٣) يقال : خسأته فخسا أي ، باعدته وطردته ، وفي هذا دليل على أنّ المعاصي سبب النقم كما أن الطاعات سبب النعم
(٤) أي لم يلبثوا ممسوخين حتى هلكوا والعياذ بالله.