(فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ) : أي ترفعوا وطغوا فلم يبالوا بالنهي.
(قِرَدَةً خاسِئِينَ) : القردة جمع قرد معروف وخاسئين ذليلين حقيرين اخساء.
معنى الآيات :
ما زال السياق في بني إسرائيل إلا أنه هنا مع رسول الله محمد صلىاللهعليهوسلم ويهود المدينة فالله تعالى يقول لنبيه محمد عليه الصلاة والسّلام أسألهم (١) أي اليهود (عَنِ الْقَرْيَةِ (٢) الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ) أي قريبة منه على شاطئه وهي مدينة من مدن أرض القدس والشام ، (٣) أي أسألهم عن أهلها كيف كان عاقبة أمرهم ، إنهم مسخوا قردة وخنازير جزاء فسقهم عن أمر ربهم ، وفصل له الحادث تفصيلا للعبرة والاتعاظ فقال (إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ) (٤) أي يعتدون ما أذن لهم فيه إلى ما حرم عليهم ، اذن لهم أن يصيدوا ما شاءوا إلا يوم السبت فإنه يوم عبادة ليس يوم لهو وصيد وطرب ، (إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ) أي أسماكهم (يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً) ظاهرة على سطح الماء تغريهم بنفسها (وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ) أي في باقي أيام الأسبوع (لا تَأْتِيهِمْ) إذا هم مبتلون ، قال تعالى (كَذلِكَ) أي كهذا الابتلاء والاختبار (نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) أي بسبب فسقهم عن طاعة ربهم ورسله ، إذ ما من معصية إلا بذنب هكذا سنة الله تعالى في الناس. هذا ما تضمنته الآية الأولى (١٦٣) وهي قوله تعالى (وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ (٥) حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ ، كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ (٦) بِما كانُوا يَفْسُقُونَ).
وأما الآية الثانية (١٦٤) فالله تعالى يقول لرسوله اذكر لهم أيضا إذ قالت طائفة منهم أي من أهل القرية لطائفة أخرى كانت تعظ المعتدين في السبت أي تنهاهم عنه لأنه
__________________
(١) هذا سؤال توبيخ وتقرير ، إذ كانوا يتبجّحون بأنهم أبناء الله وأحباؤه وأنهم من سبط خليل الرحمن ابراهيم ، ومن سبط اسرائيل ، فالسؤال عن القرية السؤال عن أهلها.
(٢) هذه القرية هي أيلة ، والمسماة اليوم بالعقبة وهي مدينة على ساحل البحر الأحمر
(٣) وهي مبدأ أرض الشام من جهة مصر.
(٤) السبت : اليوم الذي بين الجمعة والأحد ، ويجمع السبت على أسبت وسبوت وأسبات.
(٥) قيل للحسين بن الفضل : هل تجد في كتاب الله تعالى أنّ الحلال لا يأتيك إلّا قوتا وإن الحرام يأتيك جزفا جزفا يعني : بكثرة كاثرة قال : نعم في قصة داود وأيلة (إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ ...) الآية.
(٦) (نَبْلُوهُمْ) : أي بالتشديد عليهم فيما يشرع لهم عقوبة لهم.