أُمَماً) (١) أصل السبط ابن البنت وأريد به هنا أولاد كل سبط من أولاد يعقوب عليهالسلام. فالأسباط في بني إسرائيل كالقبائل في العرب كل قبيلة تنتسب إلى أبيها الأول ، وأتت لفظ اثنتي عشرة لأن معنى الأسباط الفرق والفرقة مؤنثة ، وقوله : (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ) أعلمناه بطريق الوحي وهو الإعلام الخفي السريع ، ومعنى (اسْتَسْقاهُ) طلبوا منه السقيا لأنهم عطشوا لقلة الماء في صحراء سينا. (أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ) هذا الموحى به ، فضرب (فَانْبَجَسَتْ) (٢) أي انفجرت (مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً) ليشرب كل سبط من عينه الخاصة حتى لا يقع اصطدام أو تدافع فينجم عنه الأذى وقوله تعالى (قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ) يريد عرف كل جماعة ماءهم الخاص بهم وقوله تعالى (وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى) هذا ذكر لإنعامه تعالى على بني إسرائيل وهم في معية موسى وهارون في حادثة التيه ، حيث أرسل تعالى الغمام وهو سحاب ابيض بارد يظلهم من الشمس حتى لا تلفحهم ، وأنزل عليهم المن (٣) وهي حلوى كالعسل سقط ليلا كالطل على الأشجار ، وسخر لهم طائرا لذيذ اللحم يقال له السلوى وهو طائر السمانى المعروف وقلنا لهم (كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) وقوله تعالى (وَما ظَلَمُونا) بتمردهم على أنبيائهم وعدم طاعتهم (٤) لربهم حتى نزل بهم ما نزل من البلاء ، (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ). (٥) هذا ما دلت عليه الآية الثانية أما الآية الثالثة (١٦١) فقد تضمنت حادثة بعد أحداث التيه في صحراء سيناء وذلك أن يوشع بن نون بعد أن تولى قيادة بني إسرائيل بعد وفاة موسى وهارون وانقضاء مدة التيه وكانت أربعين سنة غزا يوشع ببني إسرائيل العمالقة في أرض القدس وفتح الله تعالى عليه فقال لبني إسرائيل ادخلوا باب المدينة ساجدين أي منحنين خضوعا لله وشكرا على نعمة الفتح بعد النصر والنجاة من
__________________
(١) (أُمَماً) بدل من (أَسْباطاً) وفائدته : الإخبار بأنهم باركهم الله تعالى فأصبح أهل كل سبط أمة كاملة والسبط أصله شجر يقال له السبط تعلفه الإبل.
(٢) أصل الفعل بجس يقال : بجسته أي : شققته فانبجس مطاوع بجس الشيء إذا شقّة.
(٣) المنّ : مادّة بيضاء تنزل من السماء كالطّل حلوة الطعم تشبه العسل ، وإذ جفّت كانت الصمغ ، والسلوى : طائر معروف يقال له السمّانى بضم السين وفتح النون على وزن حبارى.
(٤) وبعدم شكرهم لهذه النعم أيضا إذا كفران النعم يسبب زوالها بعقوبة تنزل بمن لم يشكر نعم الله تعالى عليه.
(٥) أي ظلموا أنفسهم فعرضوها للبلاء ، أمّا الله تعالى فمحال أن يبلغ العبد ظلمه أو ضرّه. روى مسلم عن النبي صلىاللهعليهوسلم قوله : (إنّ الله تعالى قال : يا عبادي إني حرّمت الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرّما فلا تظالموا .. يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني).