(قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) وقوله (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وصف لله تعالى وقوله (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) تقرير لألوهية الله تعالى بعد ذكر قدرته وسلطانه وملكه وتدبيره لذا وجب أن لا يكون معبود إلا هو وهو كذلك إذ كل معبود غيره هو معبود عن جهل وعناد وظلم. وقوله (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِ) أمر الإله الحق إلى الناس كافة بالإيمان به تعالى ربا وإلها ، وبرسوله النبي الأمي نبيا ورسولا ، وقوله (الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِماتِهِ) صفة للنبي الأمي إذ من صفات النبي الأمي محمد صلىاللهعليهوسلم أنه يؤمن بالله حق الإيمان وأوفاه ويؤمن بكلماته أي بكلمات الرب التشريعية (١) وهي آيات القرآن الكريم ، والكونية التي يكوّن الله بها ما شاء من الأكوان إذ بها يقول للشيء كن فيكون كما قال لعيسى بتلك الكلمة كن فكان عيسى عليهالسلام وقوله (وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) هذا أمر الله إلى الناس كافة بعد الأمر بالإيمان به وبرسوله النبي الأمي أمر باتباع نبيه محمد صلىاللهعليهوسلم (١) رجاء هداية من (٢) يتبعه فيما جاء به فيهتدي إلى سبيل الفوز في الدارين هذا ما تضمنته الآية الأولى (١٥٨) أما الآية الثانية (١٥٩) فقد تضمنت الإخبار الإلهي بأن قوم موسى وإن ضلوا أو أجرموا وفسقوا ليس معنى ذلك أنه لم يكن فيهم أو بينهم من هم على هدى الله فهذه الآية كانت كالاحتراس من مثل هذا الفهم ، إذ أخبر تعالى أن (مِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ) أي جماعة تكثر أو تقل (يَهْدُونَ بِالْحَقِ) (٣) أي يعملون بالحق في عقائدهم وعباداتهم ويدعون إلى ذلك وبالحق يعدلون فيما بينهم وبين غيرهم فهم يعيشون على الإنصاف والعدل ، ولم يذكر تعالى أين هم ولا متى كانوا هم؟ فلا يبحث ذلك ، إذ لا فائدة فيه ، ثم عاد السياق إلى قوم موسى يذكر احداثهم للعظة والاعتبار وتقرير الحق في توحيد الله تعالى وإثبات نبوة رسوله وتقرير عقيدة البعث والجزاء أو اليوم الآخر. فقال تعالى في الآية الثالثة (١٦٠) (وَقَطَّعْناهُمُ) (٤) أي بني إسرائيل (اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً
__________________
(١) وبكلماته التنزيلية كالتوراة والانجيل والزبور.
(٢) هذا الرجاء بالنسبة إلى المأمورين بالاتباع لا إلى الله تعالى ، لأنه بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير.
(٣) يهدون إلى الله تعالى عباده بواسطة ما شرع لهم وهداهم به من الوحي الذي أنزل على رسله وأنزل به كتبه.
(٤) التقطيع : الشدة في القطع والمراد به التقسيم إلى اثنتى عشرة فرقة كل فرقة بمنزلة القبيلة العربية حيث تنتسب إلى أبيها الأعلى أي الأوّل.