الآية (٧٣) لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة يعنون الآب والابن وروح القدس ، وبعضهم يقول الأب والابن والأم ، والثلاثة إله واحد فأكذبهم تعالى في قيلهم هذا فقال رادا باطلهم ، (وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ) أي وليس الأمر كما يكذبون ، وإنما الله إله واحد ، وأما جبريل فأحد ملائكته وعيسى عبده ورسوله ومريم أمته فالكل عبد الله وحده الذي لا إله غيره ولا رب سواه. ثم قال تعالى متوعدا هؤلاء الكفرة الكذبة : ولئن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا (١) منهم عذاب أليم. فأقسم تعالى أنهم إن لم ينتهوا عن قولهم الباطل وهو كفر ليمسنهم عذاب أليم موجع غاية الإيجاع. ثم لكمال رحمته عزوجل دعاهم في الآية الثانية (٧٤) إلى التوبة ليتوب عليهم ويغفر لهم وهو الغفور الرحيم فقال عزوجل : (أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللهِ) بترك هذا الكفر والباطل ويستغفرون الله منه والله غفور للتائبين رحيم بالمؤمنين ، وفي الآية الثالثة (٧٥) أخبر تعالى معلما رسوله الاحتجاج على باطل النصارى فقال : (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ، إِلَّا (٢) رَسُولٌ) ، فلم يكن ربا ولا إلها وإنما هو رسول مفضل قد خلت من قبله رسل مفضلون كثيرون وأمه مريم لم تكن أيضا إلها كما يزعمون ، وإنما هي امرأة من نساء بني إسرائيل صديقة (٣) كثيرة الصدق في حياتها لا تعرف الكذب ولا الباطل وأنها وولدها عيسى عليهماالسلام بشران كسائر البشر يدل على ذلك أنهما يأكلان الطعام (٤) احتياجا إليه لأن بنيتهما لا تقوم إلا عليه فهل آكل الطعام افتقارا إليه ، ثم يفرز فضلاته يصلح أن يكون إلها. اللهم لا. وهنا قال لرسوله صلىاللهعليهوسلم أنظر يا رسولنا كيف نبين لهم الآيات الدالة بوضوح على بطلان كفرهم ، ثم انظر كيف يؤفكون عن (٥) الحق أي كيف يصرفون عنه وهو واضح بين. وفي الآية الأخيرة (٧٦) أمر رسوله ان يقول لأولئك المأفوكين عن الحق المصروفين عن دلائله لا ينظرون فيها أمره أن يقول لهم موبخا لهم : (أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ
__________________
(١) الآية نص في أنّ من يقول بقول النصارى كافر مستوجب للعذاب الأليم.
(٢) فيه قصر موصوف على صفة أي ، قصر عيسى على الرسالة لا يتجاوزها إلى الألوهية ولذا فهو قصر قلب لرد اعتقاد النصارى في أنّه الله.
(٣) صدّيقة : كثيرة الصدق في قولها وعملها وفي تصديقها بآيات ربّها ، وفي تصديقها لابنها وقد ناداها ساعة ولادته وفي رضاعه ، وهل هي مع الصديقية نبيّه؟ في نداء الملائكة لها ما يرجح نبوتها. والله أعلم.
(٤) إنّ من يأكل الطعام وولدته امرأة كيف لا يكون مخلوقا مربوبا محدثا كسائر المخلوقين لم يستطع دفع هذا نصراني مهما أوتي من العلم إلّا أنهم يهربون من مواجهة الحق فيقولون تضليلا لعقولهم وخداعا لنفوسهم : إنه يأكل الطعام بناسوته لا بلاهوته ، ومعناه : أنّ الإنسان اختلط بالإله وهذه هي الحلولية الباطلة الفاسدة عقلا وشرعا وواقعا.
(٥) يقال : أفكه يأفكه أفكا إذا صرفه صرفا وهو من باب ضرب.