(يَبْخَلُونَ) : يمنعون الواجب بذله من المعروف مطلقا.
(وَيَكْتُمُونَ) : يجحدون ما أعطاهم الله من علم ومال تفضلا منه عليهم.
(قَرِيناً) : القرين : الملازم الذي لا يفارق صاحبه كأنه مشدود معه بقرن أي بحبل.
(وَما ذا عَلَيْهِمْ) (١) : أي أي شىء يضرهم أو ينالهم بمكروه إذا هم آمنوا؟
معنى الآيات :
ما زال السياق الكريم في هداية المؤمنين ، وبيان الأحكام الشرعية لهم ليعملوا بها فيكملوا ويسعدوا ففي الآية الأولى (٣٦) يأمر تعالى المؤمنين بعبادته وتوحيده (٢) فيها وبالإحسان (٣) إلى الوالدين وذلك بطاعتهم في المعروف وإسداء الجميل لهم ، ودفع الأذى عنهم ، وكذا الأقرباء ، واليتامى ، والمساكين ، والجيران (٤) مطلقا أقرباء أو أجانب ، والصاحب الملازم الذي لا يفارق كالزوجة والمرافق في السفر والعمل والتلمذة والطلب ونحو ذلك من الملازمة التي لا تفارق إلا نادرا إذ الكل يصدق عليه لفظ الصاحب بالجنب. وكذا ابن السبيل وما ملكت اليمين من أمة أو عبد والمذكورون الإحسان إليهم آكد وإلا فالإحسان معروف يبذل لكل الناس كما قال تعالى : (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) ، وقال (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) وقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً) دال على أن منع الإحسان الذي هو كف الأذى وبذل المعروف ناتج عن خلق البخل والكبر وهما من شر الأخلاق هذا ما دلت عليه الآية الأولى (٣٦).
وأما الآية الثانية (٣٧) وقد تضمنت بمناسبة ذم البخل والكبر التنديد ببخل بعض أهل الكتاب وكتمانهم الحق وهو ناتج عن بخلهم أيضا قال تعالى : (الَّذِينَ (٥) يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) أي من مال وعلم وقد كتموا نعوت النبي
__________________
(١) الاستفهام هنا انكاري توبيخي.
(٢) التوحيد : ضد الشرك وقد ورد في الشرك ـ تحذيرا منه ـ أحاديث صحاح منها حديث مسلم : «يقول الرسول صلىاللهعليهوسلم قال الله تبارك وتعالى ، أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه».
(٣) قرن تعالى في غير آية عبادته بالإحسان إلى الوالدين نظرا إلى أنّ الله تعالى خلق ورزق فهو أحق بالطاعة ، وأنّ الوالدين تكوّن الولد منهما وربياه في صغره فكانت المنّة لهما بعد الله تعالى.
(٤) صحّ في الإحسان إلى الجار العديد من الأحاديث منها : «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه» ومنها : «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره» ومنها : «والله لا يؤمن فقيل من؟ قال من لا يأمن جاره بوائقه».
(٥) البخل المذموم شرعا : هو الامتناع من أداء الحقوق الواجبة ، والشح : بخل مع حرص وهو شرّ من مجرّد البخل.