وقال محمد بن حزم : أقطع أنّه لم يولّف في الإسلام مثل تفسيره ، ولا تفسير محمد بن جرير ، ولا غيره (١).
قال : وكان محمد بن عبد الرحمن الأمويّ صاحب الأندلس محبّا للعلوم ، عارفا ، فلمّا دخل بقيّ الأندلس بمصنّف ابن أبي شيبة ، وأنكر عليه جماعة من أهل الرأي ما فيه من الخلاف واستبشعوه ، ونشّطوا العامّة عليه ، ومنعوه من قراءته. فاستحضره الأمير محمد المذكور ، وأتاهم ، وتصفّح الكتاب كلّه جزءا جزءا ، حتّى أتى على آخره ، ثمّ قال لخازن الكتب : هذا كتاب لا تستغني خزانتنا عنه ، فانظر في نسخه لنا.
وقال لبقيّ : أنشر علمك ، وأرو ما عندك. ونهاهم أن يتعرّضوا له (٢).
وقال أسلم بن عبد العزيز : ثنا بقيّ قال : لما وضعت مسندي جاءني عبد الله بن يحيى ، وأخوه إسحاق فقالا : بلغنا أنّك وضعت مسندا قدّمت فيه أبا مصعب الزّهريّ ، ويحيى بن بكير ، وأخّرت أبانا.
فقال بقيّ : أمّا تقديمي لمصعب ، فلقول رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «قدّموا قريشا ولا تقدّموها» (٣).
وأمّا تقديمي ابن بكير ، فلقول رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «كبّر كبّر» (٤) ،
يريد السّنّ ، ومع أنّه سمع «الموطّأ» من مالك سبع عشرة مرّة ، وأبوكما لم يسمعه إلّا مرّة واحدة. فخرجا ولم يعودا. وخرجا إلى حدّ العداوة (٥).
ولأبي عبد الملك أحمد بن نوح بن عبد البرّ القرطبيّ ، المتوفّى سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة ، كتاب في «أخبار علماء قرطبة» ، ذكر فيه بقيّ بن مخلد ، فقال : كان فاضلا تقيّا صوّاما متبتّلا ، منقطع القرين في عصره ، منفردا عن النّظير.
__________________
(١) معجم الأدباء ٧ / ٧٧ ، ٧٨.
(٢) تاريخ دمشق ١٠ / ٢٨١ ، ٢٨٢ ، التهذيب ٣ / ٢٨١ ، وانظر : البيان المغرب ٢ / ١٠٩ ، ١١٠.
(٣) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى ٣ / ١٢١ ، وفي مناقب الشافعيّ ١ / ٢١ و ٢٢ و ٢٣ ، وذكره ابن حجر في : توالي التأسيس ٤٥.
(٤) الحديث بطوله ذكره الإمام مالك في «الموطّأ» ، باب القسامة ، ٢ / ٨٧٧ ، ٧٨٧٨ وأخرجه البخاري في الديات ٢ / ٢٠٣ ـ ٢٠٦ ، ومسلم في القسامة ، (رقم ١٦٦٩) ، وأبو داود (٤٥٢٠) و (٤٥٢١) و (٤٥٢٣) ، والترمذي (١٤٢٢) والنسائي في السنن ٨ / ١٢٠٥.
(٥) معجم الأدباء ٧ / ٨١ ، ٨٢.