ثمّ إنّ أمير خراسان ظفر بدرهم ، وبعث به إلى بغداد ، فحبسوه ثمّ أطلقوه ، فخدم السّلطان ، ثمّ إنّه تنسّك ولزم الحجّ ، وأقام ببيته.
قال ابن الأثير (١) : تغلب صالح بن النّضر الكنانيّ على سجستان ومعه يعقوب ، فاستنقذها منه طاهر بن عبد الله بن طاهر. ثمّ ظهر بها درهم المطّوّعيّ فغلب عليها ، وصار يعقوب قائد عسكره.
ورأى أصحاب درهم عجزه وضعفه ، فملّكوا عليهم يعقوب لما رأوا من حسن سياسته. فلم ينازعه درهم. واستبدّ يعقوب بالإمرة ، وقويت شوكته.
قال عليّ بن محمد : لمّا دخل درهم بغداد ولي يعقوب أمر المطّوّعة ، وحارب الخوارج الشّراة حتّى أفناهم ، وأطاعه جنده طاعة لم يطيعوها أحدا. واشتهرت صولته ، وغلب على سجستان ، وهراة ، وبوشنج ، ثمّ حضّه أهل سجستان على حرب التّرك الّذين بأطراف خراسان مع رتبيل لشدّة ضررهم ، فغزاهم وظفر برتبيل فقتله ، وقتل ثلاثة من ملوك التّرك ، ثمّ ردّ إلى سجستان وقد حمل رءوسهم مع رءوس ألوف منهم ، فرهبته الملوك الّذين حوله ، ملك المولتان ، وملك الرّخّج ، وملك الطّبسين ، وملوك السّند (٢).
وكان على وجهه ضربة منكرة من بعض قتال الشّراة ، سقط منها نصف وجهه ، وخاطه ثمّ عوفي (٣).
وقد أرسل إلى المعتزّ بالله هديّة عظيمة ، من جملتها مسجد فضّة يسع خمسة عشر نفسا يصلّون فيه (٤). وكان يحمل على عدّة جمال ، ويفكّك ثمّ يركّب.
ثمّ إنّه حارب عسكر فارس سنة خمس وخمسين ومائتين ، وقتل منهم ألوفا. فكتب إليه وجوه أهل فارس : إنّ كنت تريد الدّيانة والتّطوّع وقتل الخوارج فما ينبغي لك أن تتسرّع في الدّماء (٥). واعتدّوا للحصار ، ونازلهم ووقع القتال ،
__________________
(١) في الكامل في التاريخ ٧ / ١٨٤ ، ١٨٥ ، واقتبسه ابن خلّكان في وفيات الأعيان ٦ / ٤٠٣.
(٢) وفيات الأعيان ٦ / ٤٠٣ ، ٤٠٤.
(٣) وفيات الأعيان ٦ / ٤٠٥.
(٤) وفيات الأعيان ٦ / ٤٠٥.
(٥) وفيات الأعيان ٦ / ٤٠٧.