من (١) المدرك ، وجل عن الدّرك ، فهو كما قال عز [من] قائل : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) [الأنعام : ١٠٣] ، وقال : (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) (١١٠) [طه] ، فالله جل جلاله عز عن أن يحويه قول أو يناله يعرف بما جعل من الدلائل عليه ، ولا توصل شيء من الحواس إليه ، فليس ما نطقت به الألسن من صفاته هو هو ، [ولا ما سمعت الآذان من صفاته هو هو ، ولا ما كتبت الأيدي من صفاته هو هو] (٢) ؛ بل هو سبحانه الموصوف لا الصفات ، والمعروف بما تعرّف به إلى خلقه من الآيات.
وقال : صفاته كلها محدث علمها لنا ، وسابقة في علمه قبل كوننا ، وقد فطرنا جل وعلا على فطرة لم يعرها من الصفات ، ثم قال : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى : ١١] ، (فكان كما قال جل وعلا) (٣).
وقال : إن سأل سائل عن الموجود القديم (٤) ، أموجود لنفسه أم لغيره ، أم لنفسه ولغيره ، أم لا لنفسه ولا لغيره؟
فإنا نقول : إن كان سؤالك عن الله سبحانه ؛ فإنا نقول : إنه موجود لا بإدراك كما وصف نفسه فقال : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً) (٦٤) [النساء] ، فقال : لوجدوا.
وأما قوله : موجود لنفسه ولغيره .. إلى آخر قوله ؛ فليس هذه الصفة من صفات الله سبحانه التي وصف بها نفسه ، ولا من صفات الخير التي وصفه بها أولياؤه ؛ لأن الموجود لنفسه ولغيره له موجد لم يزل والله سبحانه يعز عن هذه الصفة ويجل ، وإنما يوصف بما وصف به نفسه ؛ لأنه الموجد لكل موجود لا أن وجوده كوجود الموجودات لأنفسها
__________________
(١) ـ في (ب) : عن.
(٢) ـ زيادة من نخ (أ ، ج).
(٣) ـ نخ (ج) : وهو كما قال جل وعلا.
(٤) ـ نخ (ج) : والقديم.