أحدا عذابا أبديّا ، وليس ذلك المقدار من العذاب إلّا لأجل إيصالهم إلى كمالاتهم المقدّرة ، كما يذاب الذهب والفضّة بالنار لأجل الخلاص مما يكدّره وينقص عياره ، فهو يتضمّن أمتن اللطف والرحمة ـ كما قيل :
وتعذيبكم عذب وسخطكم رضا |
|
وقطعكم وصل وجوركم عدل». |
وقال في الفتوحات (١) :
«وقد وجدنا في نفوسنا ـ ممّن جبّل على رحمة ـ لو حكّمه الله في خلقه لأزال صفة العذاب عن العالم ، والله قد أعطاه هذه الصفة ، ومعطي الكمال أحقّ به ، وصاحب هذه أنا وأمثالي ، ونحن عباد مخلوقون ، أصحاب أهواء وأغراض ؛ ولا شكّ أنّه ـ سبحانه ـ أرحم بخلقه منّا ، وقد قال عن نفسه ـ جلّ وعلا ـ أنّه أرحم الراحمين ، فلا شكّ أنّه أرحم منّا بخلقه ، ونحن عرفنا من نفوسنا هذه المبالغة في الرحمة».
ـ انتهى ـ
قيل (٢) :
«قد قام الدليل العقلي على أنّ الباري عزوجل لا تنفعه الطاعات ولا تضرّه المخالفات ، وأنّ كلّ شيء جار بقضائه
__________________
(١) ـ الفتوحات المكيّة : الباب الخامس وثلاثمائة ، ٣ / ٢٥ ، مع تغييرات يسيرة.
(٢) ـ الأسفار الأربعة : ٩ / ٣٥٣. وقد صرح به في عين اليقين (٤٢٧) قائلا : «وقال استادنا ـ دام ظله ـ : قد قام الدليل العقلي ...».