ـ أو أن يرجعوا إلى الدنيا. فلم يجابوا إلى طلباتهم بل اخبروا بقوله : (لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) [٢ / ١٦٢] وخوطبوا بمثل قوله : (إِنَّكُمْ ماكِثُونَ) [٤٣ / ٧٧] ، (اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ) [٢٣ / ١٠٨].
فلمّا يئسوا ووطّنوا أنفسهم على العذاب والمكث على مرّ السنين والأحقاب ، وتعلّلوا بالأعذار ، ومالوا إلى الاصطبار وقالوا : (سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ) [١٤ / ٢١] ، فعند ذلك رفع الله العذاب عن بواطنهم ، وخبت نار الله الموقدة التي تطّلع على الأفئدة.
ثمّ إذا تعوّدوا بالعذاب بعد مضيّ الأحقاب ، ألفوه ولم يتعذّبوا بشدّته بعد طول مدّته ، ولم يتألّموا به وإن عظم ؛ ثمّ آل أمرهم إلى أن يتلذّذوا به ويستعذبوه حتّى لو هبّ عليهم نسيم من الجنّة استكرهوه وتعذّبوا به ـ كالجعل وتأذّيه برائحة الورد لتألّفه بنتن الأوراث والقاذورات».
وقال داود القيصري (١) :
«اعلم أنّ من اكتحلت عينه بنور الحقّ يعلم أنّ العالم بأسره عباد الله ، وليس لهم وجود وصفة وفعل إلّا بالله وحوله وقوّته ، وكلّهم محتاجون إلى رحمته ، وهو الرحمن الرحيم.
ومن شأن من هو موصوف بهذه الصفات أن لا يعذّب
__________________
(١) ـ شرح الفصوص للقيصري : الفصّ الهودي : ٢٤٦.