ولم يقصروا فيعذّبوا ؛ ويشبه أن يكون هذا حال المجانين والصبيان من الكفّار والمعتوهين ، والذين لم تبلغهم الدعوة في أطراف البلاد ، وعاشوا على البله وعدم المعرفة ، فلم تكن لهم معرفة ولا جحود ، ولا طاعة ولا معصية ؛ فلا وسيلة تقرّبهم ، ولا جناية تبعّدهم ؛ فما هم من أهل الجنّة ولا من أهل النار ، بل ينزلون في منزلة بين المنزلتين ، ومقام بين المقامين ، عبّر الشرع عنه ب «الأعراف» ، وحلول طائفة من الخلق فيه معلوم يقينا من الآيات والأخبار ومن أنوار الاعتبار ؛ فأمّا الحكم على العين ـ كالحكم مثلا بأنّ الصبيان منهم ـ فهذا مظنون وليس بمستقيم ، والاطلاع عليه تحقيقا في عالم النبوّة ، ولا يبعد أن يرتقي إليه رتبة الأولياء والعلماء.
والأخبار في حقّ الصبيان أيضا متعارضة ، حتّى قالت عائشة لمّا مات بعض الصبيان : «عصفور من عصافير الجنّة» ، فأنكر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ذلك وقال : «ما يدريك» (١)؟ فإذن الإشكال والاشتباه أغلب في هذا المقام».
أقول : قد مرّ في الصبيان والمجانين والمعتوهين وأمثالهم كلام عن أهل البيت عليهمالسلام غير هذا ، وكذا في الأعراف ، فتذكّر (٢).
* * *
__________________
(١) ـ جاء ما يقرب منه في مسلم : كتاب القدر ، باب (٦) كل مولود يولد على الفطرة ... ، ٤ / ٢٠٥٠. وابن ماجة : المقدمة ، باب (١٠) في القدر : ١ / ٣٢. المسند : ٦ / ٤١ و ٢٠٨. تاريخ أصبهان : ترجمة عبد الله بن حسن بن حفص : ٢ / ٥٣.
(٢) ـ راجع ما مضى في الفصل الرابع من الباب السادس عشر من هذا المقصد.