ولمّا كان الصراط
المستقيم ـ الذي لا يكمل التوحيد إلّا بالاستقامة عليه ـ أدقّ من الشعر وأحدّ من
السيف ـ مثل الصراط الموصوف في الآخرة ـ فلا ينفكّ بشر عن ميل عن الاستقامة ولو في
أمر يسير ، ولا يخلو عن اتّباع الهوى ولو في فعل قليل ؛ وذلك قادح في كمال التوحيد
بقدر ميله عن الصراط المستقيم ، فذلك يقتضي لا محالة نقصانا في درجة القرب ، ومع
كلّ نقصان ناران : نار الفراق لذلك الكمال الفائت بالنقصان ، ونار جهنّم كما وصفها
القرآن.
فيكون كلّ مائل عن
الصراط المستقيم معذّبا مرّتين من وجهين ، ولكن شدّة ذلك العذاب وخفّته وتفاوته
بحسب طول المدّة إنّما يكون بسبب أمرين : أحدهما قوّة الإيمان وضعفه ، والثاني
كثرة اتّباع الهوى وقلّته ؛ إذ لا يخلو بشر في غالب الأمر عن واحد من الأمرين. قال
الله ـ تعالى ـ : (وَإِنْ مِنْكُمْ
إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا* ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ
اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا) [١٩ / ٧١ ـ ٧٢].
ولذلك قال
الخائفون : «إنّما خوفنا لأنّا تيقّنا أنّا على النار واردون ،
وشككنا في النجاة».
واعلم أنّ في
الأخبار ما يدلّ على أنّ «آخر من يخرج من
__________________