الصدق ودار الحقائق ، ولذلك سمّيت (الْحَاقَّةُ) [٦٩ / ١] ، لأنّ فيها حواقّ الامور ، وليس فيها أباطيل وأكاذيب ولا امنيّة ، إذ (فِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ) [٤٣ / ٧١] نقدا ، وإنّما التذاذهم بالوجود المشاهد.
فاللذّة في الآخرة تنحصر في قسمين : العقليّة والحسيّة.
فالعقليّة : كالالتذاذ بالعلوم والمعارف والانس بالله ـ عزوجل ـ وبمقرّبي حضرته ؛ وهي إنّما تكون للسابقين المقرّبين (فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ* ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ) [٥٦ / ١٤] ، على حسب مراتبهم ، و (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ) [٥٨ / ١١] وهي أحلى اللذّات وأشهاها.
روي في الكافي (١) عن مولانا الصادق عليهالسلام أنّه قال : «لو يعلم الناس ما في فضل معرفة الله ـ تعالى ـ ما مدّوا أعينهم إلى ما متّع به الأعداء من زهرة الحياة الدنيا ونعيمها ، وكانت دنياهم أقلّ عندهم ممّا يطئونه بأرجلهم ، ولنعمّوا بمعرفة الله ـ تعالى ـ وتلذّذوا بها تلذّذ من لم يزل في روضات الجنان مع أولياء الله.
إنّ معرفته تعالى انس من كلّ وحشة ، وصاحب من كلّ وحدة ، ونور من كلّ ظلمة ، وقوّة من كلّ ضعف ، وشفاء من كلّ سقم».
ـ ثمّ قال : ـ «قد كان قبلكم قوم يقتلون ويحرقون وينشرون بالمناشير وتضيق عليهم الأرض برحبها ، فما يردّهم عمّا هم عليه شيء
__________________
(١) ـ الكافي : الروضة ، ح ٣٤٧ ، ٨ / ٢٤٧.