وقد مضى فيما سلف معنى العرش والكرسي ، وأنّهما من وجه عبارتان عن العلم (١) ؛ وقد تبيّن في محلّه أنّ لذّة العلم والمعرفة والانس بالله ـ عزوجل ـ لذّة لا لذّة فوقها ، كما أشار إليه مولانا الصادق عليهالسلام بقوله (٢) : «لو يعلم الناس ما في فضل معرفة الله ـ تعالى ـ ما مدّوا أعينهم إلى ما متّع به الأعداء من زهرة الحياة الدنيا ، وكانت دنياهم أقلّ عندهم ممّا يطئونه بأرجلهم ، ولنعّموا بمعرفة الله ـ تعالى ـ وتلذّذوا بها تلذّذ من لم يزل في روضات الجنان مع أولياء الله» ـ الحديث ، وسنذكره بتمامه إن شاء الله ـ.
فتحدس من هذا مثال الجنّة في الدنيا ، وكذلك مثال النار لأنّها في مقابلها.
روي في بصائر الدرجات (٣) عن نصر بن قابوس (٤) ، قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن قول الله ـ عزوجل ـ : (وَظِلٍّ مَمْدُودٍ* وَماءٍ مَسْكُوبٍ* وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ* لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ) [٥٦ / ٣٠ ـ ٣٣] ، قال : «يا نصر إنّه ـ والله ـ ليس حيث يذهب الناس ؛ إنّما هو العالم وما يخرج منه».
__________________
(١) ـ راجع الصفحة : ٢٣٥.
(٢) ـ الكافي : ٨ / ٢٤٧ ، ح ٣٤٧. وسيذكر المؤلف الحديث بتمامه في الفصل الأول من الباب السابع عشر من هذا المقصد.
(٣) ـ بصائر الدرجات : الجزء العاشر ، باب (١٨) النوادر في الأئمة عليهمالسلام وأعاجيبهم ، ح ٣ ، ٥٠٥. عنه البحار : ٢٤ / ١٠٤ ، ح ١١.
(٤) ـ نصر بن قابوس اللخمي ، من أصحاب الصادق والكاظم عليهماالسلام ، ثقة على الأظهر. راجع تنقيح المقال : ٣ / ٢٦٩ ، رقم ١٢٤٥١. معجم الرجال : ١٩ / ١٤٠ ، رقم ١٣٠٢٤.