فتطفؤها ؛ وتمرّ النفخة التي تليها ـ وهي الاخرى ـ على الصور المستعدّة للاشتعال ـ وهي النشأة الاخرى ، فتشتعل بأرواحها (فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ) [٣٩ / ٦٨]. فتقوم تلك الصور أحياء ناطقة بما ينطقها الله ؛ فمن ناطق ب «الحمد لله» ، ومن ناطق يقول : (مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا) [٣٦ / ٥٢] ، ومن ناطق يقول : «الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور».
وكل ينطق بحسب علمه وحاله وما كان عليه ، ونسي حاله في البرزخ ، ويتخيّل أنّ ذلك منام كما يتخيّله المستيقظ ، وقد كان عند موته وانتقاله إلى البرزخ كالمستيقظ هناك ؛ وأنّ الحياة الدنيا كانت له كالمنام ، وفي الآخرة يعتقد أمر الدنيا والبرزخ أنه منام في منام (١).
__________________
(١) ـ هنا جاء في الطبعة القديمة الفقرات التالية وليس شيء منها في النسخ المخطوطة ، والذي يظهر أنّها كسابقتها التي كتبها المؤلف ثم أعرض عنها وأسقط الورقة المكتوبة أيضا من النسخة ، وهذه السطور وإن كانت من كلام ابن عربي غير أنها كسابقتها منقولة عن الأسفار الأربعة : ٩ / ٢٧٦ ، وهي :
«وقال في موضع آخر بعد ذكر الناقور والصور : وليعلم بعد ما قرّرناه ، أنّ الله تعالى بعد ما قبض الأرواح من هذه الأجسام الطبيعيّة والعنصريّة ، أودعها صورا أخذها في مجموع هذا القرن النوريّ ، يجمع ما يدركه الإنسان بعد الموت في البرزخ ، من الامور التي يدركها بعين الصورة التي هو بها في القرن.
والنفخة نفختان : نفخة تطفئ النار ، ونفخة تشعلها ؛ فلذلك نفخة الصور نفختان : الاولى للإماتة لمن يزعم أنّ له حياة ـ سواء كان من أهل السماوات أو من أهل الأرض. قال الله تعالى : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ) [٦٨ / ٣٩] وهم الذين سبقت لهم القيامة الكبرى ، وإليهم الإشارة بقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ) ـ إلى قوله : ـ (لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ* يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ) [٢١ / ١٠١ ـ ١٠٤] ـ