طيور خضر ترد أنهار الجنّة ، وتأكل من ثمارها ، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلّقة تحت العرش ؛ فلمّا وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم قالوا : «من يبلّغ إخواننا عنّا أنّا في الجنّة نرزق ، لئلّا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا عند الحرب»؟ فقال الله ـ عزوجل ـ : «أنا ابلّغهم عنكم» فنزلت الآية».
ـ كذا في شرح نهج البلاغة لابن ميثم البحراني رحمهالله ـ (١).
وكيف تعدم النفوس (٢) وقد جعل الله ـ عزوجل ـ بواجب حكمته في طبائعها محبّة الوجود والبقاء ، وجعل في جبلّتها كراهة العدم والفناء ، لكون الوجود خيرا صرفا ونورا محضا ، وبقاؤه خيريّة الخير ونوريّة النور ، وقد ثبت وتيقّن أنّ بقاءها ودوامها في هذه النشأة الحسيّة أمر مستحيل (أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ) [٤ / ٧٨].
فلو لم يكن لها نشأة اخرى تنتقل هي إليها ، لكان ما ارتكز في طبائعها واودع في جبلّتها من محبّة البقاء الأبديّ والحياة السرمديّة باطلا ضائعا ـ تعالى الله عن ذلك ـ.
وأمّا كراهيّة النفس بموت الجسد ، الذي هو عائق عن حياتها السرمديّة وبقائها الأبدي ، مع ما ارتكز فيها من التوجّه الجبلّي إلى الدار الآخرة والحركة الذاتيّة إليها :
__________________
(١) ـ نهج البلاغة ، شرح ابن ميثم البحراني : شرح الفصل الثالث من الخطبة الرابعة والثمانين ، ٢ / ٣٠٢.
(٢) ـ اقتباس من المبدأ والمعاد : ٤٥٦ ـ ٤٥٨. الأسفار الأربعة : ٩ / ٢٤١.