ولكون العقل شرعا من داخل قال تعالى في صفة العقل : (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) [٣٠ / ٣٠] ، فسمّى العقل دينا.
ولكونهما متّحدين قال : (نُورٌ عَلى نُورٍ) [٢٤ / ٣٥] ـ أي نور العقل ونور الشرع ـ ثمّ قال : (يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ) فجعلهما نورا واحدا ؛ فالعقل إذا فقد الشرع عجز عن أكثر الأمور ، كما عجز العين عند فقد النور.
واعلم أنّ العقل بنفسه قليل الغناء ، لا يكاد يتوصّل [به] إلّا إلى معرفة كليّات الشيء ، دون جزئيّاته ، نحو أن يعلم جملة حسن اعتقاد الحقّ وقول الصدق وتعاطى الجميل وحسن استعمال المعدلة وملازمة العفّة ـ ونحو ذلك ـ من غير أن يعرف ذلك في شيء شيء ، والشرع يعرف كليات الشيء وجزئياته ، ويتبيّن ما الذي يجب أن يعتقد في شيء شيء.
ولا يعرف العقل ـ مثلا ـ أنّ لحم الخنزير والخمر محرّمة ، وأنّه يجب أن يتحاشى من تناول الطعام في وقت معلوم ، وأن لا تنكح ذوات المحارم ، وأن لا تجامع المرأة في حال الحيض ؛ فإنّ أشباه ذلك لا سبيل إليها إلّا بالشرع.
فالشرع نظام الاعتقادات الصحيحة والأفعال المستقيمة والدالّ على مصالح الدنيا والآخرة ؛ من عدل عنه فقد ضلّ سواء السبيل.
ولأجل أن لا سبيل للعقل إلى معرفة ذلك قال تعالى : (وَ