فصل (١) [٢٢]
قال بعض الفضلاء (٢) :
«اعلم أن العقل لن يهتدي إلّا بالشرع ، والشرع لن يتبيّن إلّا بالعقل ، والعقل كالأسّ ، والشرع كالبناء ، ولن يثبت بناء ما لم يكن اسّ ، ولن يغنى اسّ ما لم يكن بناء. وأيضا : العقل كالبصر ، والشرع كالشعاع ، ولن ينفع البصر ما لم يكن شعاع من خارج ، ولن يغني الشعاع ما لم يكن بصر. فلهذا قال ـ تعالى ـ : (قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ* يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ) [٥ / ١٥ ـ ١٦].
وأيضا : فالعقل كالسراج ، والشرع كالزيت الذي يمدّه ؛ فما لم يكن زيت لم يشعل السراج ، وما لم يكن سراج لم يضيء الزيت. وعلى هذا نبّه بقوله ـ تعالى ـ : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ) ـ إلى قوله ـ : (نُورٌ عَلى نُورٍ) [٢٤ / ٣٥].
وأيضا : فالشرع عقل من خارج ، والعقل شرع من داخل ، وهما يتعاضدان ، بل يتّحدان ، ولكون الشرع عقلا من خارج ، سلب الله اسم العقل من الكافر في غير موضع من القرآن ، نحو : (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ) [٢ / ١٧١].
__________________
(١) ـ أورد المؤلف هذا الفصل بكامله في المحجة البيضاء : ١ / ١٨٧ ـ ١٨٩. وعين اليقين : ٢٤١.
(٢) ـ الراغب في تحصيل النشأتين : ٥٠ ـ ٥٢ ، الباب الثامن عشر. وفيه اختلافات لفظية.