لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [٢٨ / ٨٣]. بلى ـ والله ـ لقد سمعوها ووعوها ، ولكنّهم حليت الدنيا في أعينهم ، وراقهم زبرجها. أما ـ والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ـ لو لا حضور الحاضر وقيام الحجّة بوجود الناصر ، وما أخذ الله على العلماء أن لا يقارّوا على كظّة ظالم ولا سغب مظلوم (١) : لألقيت حبلها على غاربها ، ولسقيت آخرها بكأس أوّلها ، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز».
ـ قالوا : ـ وقام إليه رجل من أهل السواد عند بلوغه عليهالسلام إلى هذا الموضع من خطبته ، فناوله كتابا ، فأقبل ينظر فيه ، فلمّا فرغ من قراءته ، قال ابن عبّاس : «يا أمير المؤمنين ـ لو اطّردت مقالتك من حيث أفضيت»؟
فقال : «هيهات ـ يا ابن عبّاس ـ تلك شقشقة هدرت ثمّ قرّت (٢)».
قال ابن عبّاس : «فو الله ـ ما أسفت على كلام قطّ كأسفي على ذلك الكلام ، ألّا يكون أمير المؤمنين بلغ منه حيث أراد».
* * *
قوله عليهالسلام في هذه الخطبة : «كراكب الصعبة إن أشنق لها خرم ، وإن أسلس لها تقحّم» يريد أنّه إذا شدّد عليها في جذب الزمام ـ وهي تنازعه رأسها ـ خرم أنفها ، وإن أرخى لها شيئا ـ مع صعوبتها ـ تقحّمت به ، فلم يملكها (٣).
__________________
(١) ـ الكظة : ما يعتري الآكل من امتلاء البطن بالطعام. السغب : شدّة الجوع.
(٢) ـ أفضى : خرج إلى الفضاء. الشقشقة : شيء يخرجه البعير من فيه إذا هاج.
(٣) ـ التوضيح من كلام الرضي ـ قدسسره ـ بعد نقل الخطبة.