وحكى الأصمعيّ أنّه سمع كلام جارية ، فقال : قاتلك الله ـ ما أفصحك». فقالت : «أو يعدّ هذا فصاحة بعد قوله تعالى : (وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ) [٢٨ / ٧]. فجمع في آية بين أمرين ونهيين ، وخبرين وبشارتين».
قيل : إذا تأمّل متأمّل قوله ـ عزوجل ـ : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) [٢ / ١٧٩] (وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا) [٣٤ / ٥١] وقوله : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [٢٣ / ٩٦] وقوله : (وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ) [١١ / ٤٤] وقوله : (فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ) [٢٩ / ٤٠] ـ الآيات إلى آخرها ـ وأشباهها ، بل أكثر القرآن تحقّق له إيجاز ألفاظها وكثرة معانيها وديباجة عباراتها ، وأنّ تحت كلّ لفظ منها جملا كثيرة ، وفصولا جمّة ، وعلوما زواخر ملأت الدواوين من بعض ما استفيد منها ، وكثرت المقالات في المستنبطات عنها.
فصل [٥]
[وجوه إعجاز القرآن]
قد عدّ العلماء من وجوه إعجاز القرآن أشياء كثيرة :
فذكر الماوردي منها : فصاحته وبيانه الذي منها بلاغة ألفاظه واستيفاء معانيه وحسن نظمه ، وإيجازه ، ونظم اسلوبه ، ووصف اعتداله الذي لا يدخل في نظم ولا نثر ولا رجز ولا شعر ولا خطب ولا سجع ، مع كثرة معان في قلّة ألفاظ ، وما جمعه من العلوم التي لا يحيط بها بشر ، ولا تجتمع في مخلوق.