فصل [٤]
قيل (١) : «من يستريب في انخراق العادة في يده صلىاللهعليهوآله ويزعم أنّ آحاد هذه الوقائع لم ينقل تواترا ـ بل المتواتر هو القرآن فقط ـ كمن يستريب في شجاعة علي عليهالسلام وسخاوة حاتم ؛ ومعلوم أنّ آحاد هذه الوقائع غير متواترة ، ولكن مجموع الوقائع تورث علما ضروريّا.
ثمّ لا يتمارى في تواتر القرآن ، وهو المعجزة الكبرى الباقية بين الخلق ـ وليس لنبيّ معجزة باقية سواه صلىاللهعليهوآله ـ إذ تحدّى بها بلغاء الخلق ، وفصحاء العرب ـ وجزيرة العرب يومئذ مملوّة بآلاف منهم ، والفصاحة صنعتهم وبها منافستهم ومباهاتهم ـ وكان ينادي بين أظهرهم : أن يأتوا بمثله ، أو بعشر سور مثله ، أو بسورة مثله (٢) ـ إن شكّوا ـ وقال لهم :
(قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) [١٧ / ٨٨].
وقال ذلك تعجيزا لهم ؛ فعجزوا عن ذلك وصرفوا عنه ، حتّى عرّضوا أنفسهم للقتل ، ونساءهم وذراريهم للسبي ، وما استطاعوا أن يعارضوا ، ولا أن يقدحوا في جزالته وحسنه» ـ انتهى كلامه ـ.
ولا يخفى أنّه لم يزل صلىاللهعليهوآله يقرعهم أشدّ التقريع ، ويوبّخهم غاية التوبيخ ، ويسفّه أحلامهم ويحطّ أعلامهم ويشتّت نظامهم ويذمّ آلهتهم
__________________
(١) ـ الغزالي : إحياء علوم الدين ، كتاب آداب المعيشة وأخلاق النبوّة ، بيان معجزاته وآياته صلىاللهعليهوآله : ٢ / ٥٥٣.
(٢) ـ سورة الإسراء / ٨٨. سورة هود / ١٣. سورة البقرة / ٢٢. سورة يونس / ٣٨.