يشهد بذلك أولا تركيب أعضائنا وائتلاف عظامنا ولحومنا وأعصابنا ونبات شعورنا وتشكّل أطرافنا وسائر أجزائنا الظاهرة والباطنة ، فإنّا نعلم أنّها لم تأتلف بنفسها ، كما نعلم أنّ يد الكاتب لم تتحرّك بنفسها.
ولكن لمّا لم يبق في الوجود مدرك ومحسوس ومعقول وحاضر وغائب إلّا وهو شاهد عليه ومعرّف له ، عظم ظهوره (١) ؛ فانبهرت العقول ، ودهشت عن إدراكه.
فإذن ما يقصر عن فهمه عقولنا ، له سببان :
أحدهما خفاؤه في نفسه وغموضه ـ وذلك لا يخفى مثاله.
والآخر ما يتناهى وضوحه ، وهذا كما أنّ الخفّاش يبصر بالليل ، ولا يبصر بالنهار ـ لا لخفاء النهار واستتاره ، ولكن لشدّة ظهوره ، فإنّ بصر الخفّاش ضعيف ، يبهره نور الشمس إذا أشرق ، فيكون قوّة ظهوره مع ضعف بصره سببا لامتناع إبصاره ، فلا يرى شيئا إلّا إذا امتزج الظلام بالضوء وضعف ظهوره ؛
فكذلك عقولنا ضعيفة ، وجمال الحضرة الإلهيّة في نهاية الإشراق والاستنارة ، وفي غاية الاستغراق والشمول ، حتّى لا يشذّ (٢) عن ظهوره ذرّة من ملكوت السماوات والأرض ، فصار
__________________
(١) ـ في الإحياء والمحجة : وهو شاهد ومعرف عظم ظهوره. وفي نسخة الأصل أيضا كتب كذلك أولا ثم استدرك وكتب «عليه» و «له» فوق الخط.
(٢) ـ في الإحياء والمحجة : لم يشذ.