ثمّ لا يمكن أن يعرف حياته وقدرته وإرادته ، إلّا بخياطته وحركته ؛ فلو نظرنا إلى كلّ ما في العالم سواه لم نعرف به صفاته ، فما عليه إلّا دليل واحد ، وهو مع ذلك جليّ واضح ؛ ووجود الله وقدرته وعلمه وسائر صفاته ، يشهد له بالضرورة : كلّ ما نشاهده وندركه بالحواسّ الظاهرة والباطنة ـ من حجر ومدر ، ونبات وشجر وحيوان ، وسماء وأرض وكوكب ، وبرّ وبحر ، ونار وهواء ، وجوهر وعرض ـ بل أوّل شاهد عليه أنفسنا وأجسامنا وأصنافنا(١) ، وتقلّب أحوالنا ، وتغيّر قلوبنا ، وجميع أطوارنا في حركاتنا وسكناتنا ؛ وأظهر الأشياء في علمنا أنفسنا ، ثمّ محسوساتنا بالحواسّ الخمس ، ثمّ مدركاتنا بالبصيرة والعقل ، وكلّ واحد من هذه المدركات له مدرك واحد وشاهد واحد ودليل واحد ، وجميع ما في العالم شواهد ناطقة ، وأدلّة شاهدة بوجود خالقها ومدبّرها ومصرّفها ومحرّكها ، ودالّة على علمه وقدرته ولطفه وحكمته ، والموجودات المدركة لا حصر لها.
فإن كان حياة الكاتب ظاهرة عندنا وليس يشهد له إلّا شاهد واحد ـ وهو ما أحسسنا (٢) من حركة يده ـ فكيف لا يظهر عندنا من لا يتصوّر في الوجود شيء داخل نفوسنا وخارجها إلّا وهو شاهد عليه وعلى عظمته وجلاله ، إذ كلّ ذرّة فإنّها تنادي بلسان حالها أنّه ليس وجودها بنفسها ، ولا حركتها بذاتها ؛ وإنّما تحتاج إلى موجد ومحرّك لها.
__________________
(١) ـ الإحياء والمحجة : أوصافنا.
(٢) ـ الإحياء والمحجة : أحسسنا به.