عبارة عن مخالفة القوّة السافلة للقوّة العالية فيما لها أن يفعل للغرض الأعلى عند تخالف الأغراض والدواعي ، وذلك إنّما يتصوّر فيما يتقوّم ذاته ووجوده من تركيب قوى وطبائع متضادّة ، والملائكة ـ سيّما العليّون ـ منزّهون عن ذلك.
ومنها : مواظبتهم على العبادة (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ) [٢١ / ٢٠] ، (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) [٢ / ٣٠] ، (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ* وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ) [٣٧ / ١٦٦].
ومنها : مبادرتهم إلى امتثال أمر الله ـ تعظيما له ـ : (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) [١٥ / ٣٠].
ومنها : أنّهم لا يفعلون إلّا بوحيه وأمره : (لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) [٢١ / ٢٧].
ومنها : كونهم مع كثرة عباداتهم وعدم إقدامهم على المعاصي والزلّات خائفين وجلين ، كأنّ عباداتهم معاصي ـ تذلّلا لعظمته ، وحياء من قهّاريّته (يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ) [١٦ / ٥٠] (وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) [٢١ / ٢٨] (حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ما ذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَ) [٣٤ / ٢٣].
روي في بعض التفاسير (١) : «إنّ الله ـ سبحانه ـ إذا تكلّم بالوحي سمعه أهل السماوات مثل صوت الصلصلة على الصفوان ففزعوا ، فاذا
__________________
(١) ـ الفخر الرازي : تفسير قوله تعالى (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ ...) : ٢ / ١٦٤.
وفي الدر المنثور ، ٦ / ٦٩٧ ـ ٦٩٨ ، تفسير الآية سبأ / ٢٣ ، ما يقرب منه. وكذا تفسير القمي : ٢ / ٢٠٣.