عزوجل ، الذي فطر على معرفته وتوحيده ، فبكاؤه توسّل إليه ، والتجاء به ـ سبحانه ـ خاصّة ، دون غيره ، فهو شهادة له بالتوحيد.
وأربعة اخرى يعرف أمّه من حيث أنّها وسيلة إلى اغتذائه فقطّ ، لا من حيث أنّها أمّه ، ولهذا يأخذ اللبن من غيرها أيضا في هذه المدّة غالبا ، فلا يعرف فيها بعد الله إلّا من هو وسيلة بين الله وبينه في ارتزاقه الذي هو مكلّف به ـ تكليفا طبيعيّا ـ من حيث أنّها وسيلة لا غير ـ وهذا معنى الرسالة ـ فبكاؤه في هذه المدّة بالحقيقة شهادة بالرسالة.
وأربعة اخرى يعرف أبويه وكونه محتاجا إليهما في الرزق ، فبكاؤه توسّل إليهما والتجاء بهما ، فبكاؤه فيها دعاء لهما بالسلامة والبقاء في الحقيقة.
وقد ظهر من هذه الكلمات أنّ «كلّ مولود يولد على الفطرة ، وأبواه يهوّدانه وينصّرانه ويمجّسانه» كما ورد في الحديث النبوي صلىاللهعليهوآلهوسلم (١).
ولهذا جعلت الناس معذورين في تركهم اكتساب المعرفة بالله ـ عزوجل ـ متروكين على ما فطروا عليه ، مرضيّا عنهم بمجرّد الإقرار بالقول ، ولم يكلّفوا الاستدلالات العلميّة في ذلك(٢).
__________________
(١) ـ مع فرق يسير في اللفظ في أمالي المرتضى : المجلس ٥٦ ، ٢ / ٨٢ (وليس فيه : يمجسانه).
عوالي اللئالي ، ح ١٨ ، ١ / ٣٥. عنه البحار : ٣ / ٢٨١. وفي البخاري (كتاب التفسير ، سورة الروم : ٦ / ١٤٣) : «ما من مولود إلا يولد على الفطرة ...».
مسلم : كتاب القدر ، باب معنى كل مولود ... ، ٤ / ٢٠٤٧ (بلفظ البخاري).
المعجم الكبير : مسند أسود بن سريع ، ١ / ٢٨٣ ـ ٢٨٥ ، ح ٨٢٦ ـ ٨٣٥ (أسند الحديث بألفاظه المختلفة). وحكى السيوطي في الجامع الصغير (باب الكاف : ٢ / ٩٤) عن أبي يعلي والبيهقي والطبراني. ومضى صدر الحديث فيما نقل عن التوحيد آنفا.
(٢) ـ كتب هنا : «كما يأتي تحقيقه في محله» ثم شطب عليه.