وعنب وقضب وزيتون ونخل ورمّان ، وفواكه كثيرة لا تحصى ـ مختلفة الأشكال والألوان والطعوم والصفات والأراييح ، ففضّل بعضها على بعض في الأكل يسقى جميعا بماء واحد ، ويخرج من أرض واحدة.
ثمّ [انظر] إلى أراضي البوادي ، وفتّش ظاهرها وباطنها ، فترى بها ترابا متشابها ، فإذا أنزل (عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) [٢٢ / ٥] ، ألوانا مختلفة ونباتا متشابها وغير متشابه ، لكلّ واحد طعم وريح ولون وشكل يخالف الآخر.
فانظر إلى كثرتها واختلاف أصنافها وكثرة أشكالها ، ثمّ اختلاف طبائع النبات وكثرة منافعها ، وكيف أودع العقاقير المنافع الغريبة.
فهذا النبات يغذّي ، وهذا يقوّي ، وهذا يحيي ، وهذا يقتل ، وهذا يبرد ، وهذا يسخّن ، وهذا إذا حصل في المعدة قمع الصفراء من أعماق العروق ، وهذا يستحيل إلى الصفراء ، وهذا يقمع البلغم والسوداء ، وهذا يستحيل إليهما ، وهذا يصفّي الدم ، وهذا يفرّح ، وهذا ينوّم ، وهذا يقوي ، وهذا يضعّف ؛ فلم تنبت من الأرض ورقة ولا نبتة إلّا وفيها منافع لا يقوي البشر على الوقوف على كنهها.
وكلّ واحد منها يحتاج الفلّاح في تربيتها إلى عمل مخصوص ؛ فالنخيل يؤبر ، والكرم يقطع ، والزرع ينقى منه الحشيش ؛ وبعضها يستنبت ببثّ البذر في الأرض ، وبعضها يغرس كالأغصان ، وبعضها يركّب في الشجر.
ثمّ لمّا [لم] يجد الجرم الصلب غذاء يتشبّه به دفعة بلا تدريج ، انظر كيف خلق الله في الأشجار الصلبة لبّا يشبه المخّ في العظام ، عناية