«لمّا كان ما يجري في العالم الملكوتي إنّما يجري بإرادة الله سبحانه ، بل فعلهم بعينه فعل الله تعالى ، حيث أنّهم (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) [٦٦ / ٦] ، إذ لا داعي لهم على الفعل إلّا إرادة الله ـ جلّ وعزّ ـ لاستهلاك إرادتهم في إرادته ـ تعالى ـ ومثلهم كمثل الحواسّ للإنسان : كلّما همّ بأمر محسوس امتثلت الحاسّة لما همّ به وأرادته دفعة ، فكلّ كتابة تكون في هذه الألواح والصحف فهو أيضا مكتوب الله ـ عزوجل ـ بعد قضائه السابق المكتوب بقلمه الأوّل.
فيصحّ أن يصف الله عزوجل نفسه بالنسخ والبداء والتردّد وإجابة الدعاء والابتلاء ونحوها بهذا الاعتبار ، وإن كان مثل هذه الامور يشعر بالتغيّر والسنوح ، وهو ـ سبحانه ـ منزّه عنه ، فإنّ كلّ ما وجد أو سيوجد فهو غير خارج عن عالم ربوبيّته. كما ورد في الحديث(١) :
«إنّ الله لا يأسف كأسفنا ، إلّا أنّه خلق أولياء لنفسه.
يأسفون ويرضون ـ وهم مخلوقون مربوبون ـ فجعل رضاهم رضا نفسه ، وسخطهم سخط نفسه».
ـ قال : ـ
ولو لم يكن الأمر كذلك ـ من توسيط هذه النفوس القابلة
__________________
(١) ـ الكافي باب النوادر من كتاب التوحيد ، ١ / ١٤٤ ، ح ٦. التوحيد : باب معنى رضاه عزوجل وسخطه : ١٦٨ ، ح ٢. معاني الأخبار : نفس الباب : ١٩ ، ح ٢.
البحار : ٤ / ٦٥ ، ح ٦.