الأسباب الموجب لوقوع الحادث على خلاف ما يوجبه بقيّة الأسباب ـ لو لا ذلك السبب ـ ولم يحصل لها العلم بذلك السبب بعد ، لعدم اطلاعها على سبب ذلك السبب ، ثمّ لمّا جاء أوانه واطلعت عليه حكمت بخلاف الحكم الأوّل ، فيمحى عنها نقش الحكم السابق ، ويثبت الحكم الآخر.
مثلا : لمّا حصل لها العلم بموت زيد ، بمرض كذا ، في ليلة كذا ، لأسباب تقتضي ذلك ؛ ولم يحصل لها العلم بتصدّقه الذي يأتي به قبيل ذلك الوقت ـ لعدم اطلاعها على أسباب التصدّق بعد ـ ثمّ علمت به ـ وكان موته بتلك الأسباب مشروطا بأن لا يتصدّق ـ فتحكم أوّلا بالموت ، وثانيا بالبرء. وإذا كانت الأسباب لوقوع أمر ولا وقوعه متكافئة ، ولم يحصل لها العلم برجحان أحدهما بعد ـ لعدم مجيء أوان سبب ذلك الرجحان بعد ـ كان له التردّد في وقوع ذلك الأمر ولا وقوعه ، فينتقش فيها الوقوع ـ تارة ـ واللّاوقوع اخرى ؛ فهذا هو السبب في المحو والإثبات والحكمة فيهما.
* * *
وأمّا صحّة نسبة البداء والتردّد وأمثالهما إلى الله ـ سبحانه ـ مع إحاطة علمه ـ عزوجل ـ بالكليّات والجزئيّات جميعا ـ أزلا وأبدا ـ على ما هي عليها في الواقع ، من غير تطرّق تغيّر وسنوح في ذاته ـ عزّ وعلا ـ فالوجه فيه ما ذكره بعض المحقّقين ـ قدسسره ـ قال(١):
__________________
(١) ـ صدر المتألهين ـ كما صرح به المؤلف ـ قدسسره ـ في عين اليقين ـ راجع شرح الكافي لصدر المتألهين : الحديث الأول من باب البداء (ص ٣٨١) ملخصا. وأيضا : الأسفار الأربعة : ٦ / ٣٩٥ ـ ٣٩٩.