الملكوت العمّالة بإذن الله ، المسخّرة بأمره ، المدبّرة لامور العالم بإعداد الموادّ ، وتهيئة الأسباب ، ومنه ينزل الشيء المعيّن الخارجي الضروريّ الوجود عند تحقّق وقته : (وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) [١٥ / ٢١].
فمنه تنزّل الشرائع والصحف والكتب على الأنبياء والرسل صلىاللهعليهوآله نجوما. ولما فيه من المحو والإثبات يصحّ البداء منه سبحانه ، والتردّد في الأمر ـ كما ورد في الأحاديث الصحيحة المستفيضة.
[المحو والإثبات والبداء]
فإن قلت (١) : ما السبب في المحو والإثبات؟ وما الحكمة فيهما؟ وكيف تصحّ نسبة البداء والتردّد وإجابة الدعاء ونحو ذلك إلى الله ـ سبحانه ـ مع إحاطة علمه بكلّ شيء أزلا وأبدا ـ على ما هو عليه في نفس الأمر ـ وتقدّسه عمّا يوجب التغيّر والسنوح ونحوهما؟
فاعلم : أنّ القوى المنطبعة الفلكيّة لم تحط بتفاصيل ما سيقع من الامور دفعة واحدة ـ لعدم تناهيها ـ بل إنّما تنتقش فيها الحوادث شيئا فشيئا ، وجملة فجملة ، مع أسبابها وعللها ، على نهج مستمرّ ، ونظام مستقرّ ؛ فإنّ ما يحدث في عالم الكون والفساد إنّما هو من لوازم حركات الأفلاك المسخّرة لله ـ تعالى ـ ونتائج بركاتها ، فهي تعلم أنّه كلّما كان كذا ، كان كذا ؛ فمهما حصل لها العلم بأسباب حدوث أمر ما في هذا العالم حكمت بوقوعه فيه ، فينتقش فيها ذلك الحكم ، وربّما تأخّر بعض
__________________
(١) ـ عين اليقين : ٣١٩. الوافي : ١ / ٥٠٧ ـ ٥١٠.