وسعة العبد في معارفه وأخلاقه ، فإن كثرت علومه فهو واسع بقدر سعة علمه ، وإن اتّسعت أخلاقه ـ حتّى لا يضيّقه خوف الفقر وغيظ الحسود وغلبة الحرص ، وسائر الصفات ـ فهو واسع بقدر اتّساعه.
الحكيم
ذو الحكمة ؛ والحكمة عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم ، وأجلّ الأشياء هو الله ـ تعالى ـ وقد ثبت أنّه لا يعرفه كنه معرفته غيره بالعلم الأزلىّ الدائم ، الذي لا يتصوّر زواله ، المطابق للمعلوم مطابقة لا يتطرّق إليه خفاء وشبهة ؛ فهو الحكيم الحقّ.
وقد يقال لمن يحسن دقائق الصناعات ويحكمها ويتقن صنعها «حكيما» وكمال ذلك ـ أيضا ـ ليس إلّا لله جلّ جلاله.
ومن عرف جميع الأشياء ولم يعرف الله ، لم يستحقّ أن يسمّى حكيما ، لأنّه لم يعرف أجلّ الأشياء وأفضلها ؛ ومن عرف الله فهو حكيم وإن كان ضعيف المنّة في سائر العلوم الرسميّة ، كليل اللسان ، قاصر البيان فيها ؛ ومن عرف الله كان كلامه مخالفا لكلام غيره ، فإنّه قلّما يتعرّض للجزئيّات ، بل يكون كلماته كلّها كلّية ، ولا يتعرّض لمصالح العاجلة ، بل يتعرّض لما ينفع في العاقبة.
ولمّا كان ذلك أظهر عند الناس من أحوال الحكيم ـ من معرفته بالله ـ ربما أطلق الناس اسم الحكمة على مثل تلك الكلمات الكليّة ، ويقال للناطق بها «حكيم».