والملك الحقيقي في الخلاص من ذلّ الحاجة وقهر الشهوة ووصمة الجهل ، فمن رفع الحجاب عن قلبه حتّى شاهد جمال حضرته ، ورزقه القناعة حتّى استغنى بها عن خلقه ، وأمدّه بالقوّة والتأييد حتّى استولى بها على صفات نفسه : فقد أعزّه وآتاه الملك عاجلا ، وسيعزّه في الآخرة بالتقريب ويناديه : (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ* ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً* فَادْخُلِي فِي عِبادِي* وَادْخُلِي جَنَّتِي) [٨٩ / ٢٧ ـ ٣٠].
ومن مدّ عينه إلى الخلق حتّى احتاج إليهم ، وسلّط عليه الحرص حتّى لم يقنع بالكفاية ، ـ واستدرجه بمكره حتّى اغترّ بنفسه ، وبقي في ظلمة الجهل : فقد أذلّه وسلبه الملك ، وسيخاطب ويقال له : (وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللهِ وَغَرَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ* فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ) [٥٧ / ١٤ ـ ١٥].
وهذا غاية الذلّ ، فهو المعزّ المذلّ ، يعزّ من يشاء ويذلّ من يشاء.
وكلّ عبد استعمل في تيسّر أسباب العزّ على يده فهو ذو حظّ من هذا الوصف.
السميع
هو الذي لا يعزب عن إدراكه مسموع ـ وإن خفى ـ فيسمع السرّ والنجوى ، بل ما هو أدقّ من ذلك وأخفى ، ويدرك دبيب النملة السوداء على الصخرة الصمّاء في الليلة الظلماء ، ويسمع حمد الحامدين فيجازيهم ، ودعاء الداعين فيستجيب لهم ، ويسمع بغير أصمخة وآذان ، كما يفعل بغير جارحة ويتكلّم بغير لسان ؛ وسمعه منزّه عن أن يطرق إليه الحدثان.