القدّوس
هو المنزّه عن كلّ وصف يدركه حس أو يتصوّره خيال ، أو يسبق إليه وهم ، أو يختلج به ضمير ، أو يفضي به فكر.
لست أقول : «منزّه عن العيوب والنقائص» ، فإنّ ذكر ذلك يكاد يقرب من ترك الأدب ، فليس من الأدب أن يقول القائل : «ملك البلد ليس بحائك ولا حجّام» ، فإنّ النفي يكاد يوهم الإمكان ، وفي ذلك الإيهام نقص.
بل أقول : القدّوس هو المنزّه عن كل وصف من أوصاف الكمال الذي يظنّه أكثر الخلق ، لأنّ الخلق إنّما يصفونه بما هو كمال في حقّهم ، والله تعالى منزّه عن أوصاف كمالهم ، كما أنّه منزّه عن أوصاف نقصهم ؛
بل كلّ صفة تتصوّر للخلق ، فهو مقدّس عنها وعمّا يشبهها ويماثلها ؛ ولو لا ورود الرخصة والإذن بإطلاقها ، لم يجز إطلاق أكثرها.
وقدس العبد في أن ينزّه علمه وإرادته :
أمّا علمه : فينزّهه عن المتخيّلات والمحسوسات والموهومات وكلّ ما تشارك فيها البهائم من الإدراكات ؛ بل يكون تردّد نظره وتطواف علمه حول الامور الشريفة الكليّة الإلهيّة ، المتعلقة بالمعلومات الأزليّة الأبديّة ؛ دون الشخصيّات المتغيّرة المستحيلة.
وأمّا إرادته : فينزّهها عن أن تدور حول الحظوظ البشريّة التي ترجع إلى لذّة الشهوة والغضب ، ومتعة المطعم والمنكح والملبس