الملك
هو الذي يستغني في ذاته وصفاته عن كلّ موجود ، ويحتاج إليه كلّ موجود ؛ بل لا يستغني عنه شيء في شيء ـ لا في ذاته ولا في صفاته ولا في وجوده ولا في بقائه ـ بل كلّ شيء فوجوده منه أو ممّا هو منه ، فكلّ شيء سواه فهو له مملوك في ذاته وصفاته ، وهو مستغن عن كل شيء.
فهذا هو الملك المطلق ؛ والعبد لا يتصوّر أن يكون كذلك ، فإنّه أبدا فقير إلى الله ، ولكن يتصور أن يستغني عن بعض الأشياء ولا يستغني عنه بعض الأشياء. فيكون له شوب من الملك.
فالملك من العباد هو الذي لا يملكه إلّا الله ـ تعالى ـ بل يستغني عن كلّ شيء سوى الله ، وهو مع ذلك يملك مملكته بحيث يطيعه فيها جنوده ورعاياه ؛ وإنّما مملكته الخاصّة به قلبه وقالبه ، وجنده شهوته وغضبه وهواه ، ورعيّته لسانه وعيناه ويداه وسائر أعضائه. فإذا ملكها ـ ولم تملكه ـ وأطاعته ـ ولم يطعها ـ فقد نال درجة الملك في عالمه ، فإن انضمّ إليه استغناؤه عن كلّ الناس ، واحتياج الناس كلّهم إليه في حياتهم العاجلة والآجلة ، فهو الملك في العالم الأرضي.
وذلك رتبة الأنبياء ـ صلوات الله عليهم ـ فإنّهم استغنوا في الهداية إلى الحياة الاخرويّة ، عن كل أحد سوى الله تعالى ، واحتاج إليهم كلّ أحد. ويليهم في هذا الملك العلماء ، الذين هم ورثة الأنبياء وإنّما ملكهم بقدر قدرتهم على إرشاد العباد واستغنائهم عن الاسترشاد.